«لا تصدق ما يقول الشعراء»

TT

هنيئا للشعراء الجدد. ولست أقصد شعراء الحداثة، فعندي بينهم من أعشق ما كتب، سواء سماه شعرا، أو نثرا، أو فيلا أخضر. لكنني ما زلت أطرب للشعر القديم، وللطرب القديم، وللموسيقى الكلاسيكية. والكلاسيكي هو الذي يبقى على ما هو، ويجدد خلفه الأجيال، من هوميروس إلى شكسبير إلى المتنبي إلى شوقي إلى بتهوفن إلى أحمد رامي.

لا أدري كم مرة سمعت وأسمع وسوف أسمع أغنيات الرحبانيين، أو سلوا قلبي لأم كلثوم، أو شوبان وفيردي وموتسارت. ولست أدري ما الفرق بين السمفونية السابعة، والكونشرتو السابع عشر. لكنني أذهب إلى سماع أوركسترا بيتسبرغ في كارينغي هول، أو أوركسترا براغ في سوق دبي المالية، وأخرج كأنني من إحدى ملحقات الجنة. ولست أفهم كلمة واحدة مما تغنيه من مواويل البرتغالية أماليا رودريغز، لكنني عندما أسمعها أشعر كأن فيروز تغني لقمر مشغرة وطيور صنين واليوم اليوم وليس غدا.

هناك كتب جديدة غاية في الروعة.. هناك جديد أجمل من القديم، وأرق وأعمق وأحكم وأكثر جهدا، وخصوصا أكثر إمتاعا. لكن الأدب الكلاسيكي، والموسيقى الكلاسيكية، والرواية الكلاسيكية، غير قابلة للخطأ إلا قليلا. غريبة عبقرية القدامى.. تقرأ أفلاطون فتشعر أنه الأستاذ المحاضر في القاعة المجاورة، وتقرأ هوميروس فتجد في ملحمته كل شيء لكل شيء، وتقرأ جان جاك روسو فتجد أنه يقرأ خاطرك، إذ يقول: «وإن أتفه ما جرى لي في ذلك العهد لا يحلو لي إلا لأنه من ذلك العهد».

دفعني إلى كل ما تقدم أنني أقرأ في ديوان أحمد رامي. ما أعظم صنائعك في الشعر! غنت أم كلثوم أو كم تغنت. وما أصفى جواهرك، ونحن اليوم شعراء بلا ديوان، وقصيد بلا إيوان! أعد قراءة المسرحية الشعرية التي وضعها عن ابن زيدون وولادة بنت المستكفي. أعد. أعد.

سمعت غناءها فإذا بكائي - من الدنيا تردد في الغناء

وأخشى أن يخامرني هواها - وألقى في محبتها عزائي

فأصبح لا تطيب لي الليالي - بغير القرب منها والليالي

ولادة:

لا تصدق ما يقول الشعراء - فالذي قالوه في الحب هباء

كلما استهواهم حسن مضو - يرسلون الشعر فيه والغناء

لا يقرون على حب ولا - يستطيعون على حال بقاء

حبهم وقف على أنفسهم - وهوى الناس التفاني والغداء

أعد. أعد.