هذا الأسبوع!

TT

انتهت يوم السبت الفائت فعاليات «أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي» الذي أقيم في أكثر من 40 مدينة عالمية وانضمت إليه بيروت في إحياء هذا الأسبوع في الجامعة الأميركية يوم الخميس الفائت. وقد بدأ هذا الأسبوع فعالياته عام 2005 لكنه وصل إلى آذان ومسامع العالم بشكل كبير عام 2009 حين عُرضت في جامعات شتى في العالم أفلام عن الحرب الإسرائيلية على غزة وعُرضت صور الأطفال الشهداء والمنازل الفلسطينية المهدمة وألقيت المحاضرات عن الفصل العنصري الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي يتعرض له السكان الفلسطينيون في الضفة وغزة وفي فلسطين 1948 أيضا.

وفي 2010 كان لافتا عدد اليهود وحتى عدد الإسرائيليين من اقتصاديين وعلماء وناشطي حقوق إنسان الذين شاركوا في هذا الأسبوع في جامعات بريطانية وكندية وأميركية وإسبانية، مما أثار الذعر في قلوب حماة كيان إسرائيل وجرائمه لأن القائمين على هذا الأسبوع يدعون إلى مقاطعة الكيان الإسرائيلي وفرض الحصار عليه إلى أن يتراجع عن سياساته العنصرية هذه. وللمرة الأولى في تاريخ هذا الكيان تحيط عروض الباليه الإسرائيلية على مسرح مونتغمري قرب واشنطن مظاهرات لأميركيين تندد بالسماح لفرقة الباليه الإسرائيلية بتقديم عرضها على مسرح الكلية. كما وجه مئات الأطفال الإسبان من تلامذة المدارس على مدى الأسابيع الأخيرة بطاقات احتجاجية إلى السفارة الإسرائيلية في مدريد تدعو سلطات الاحتلال إلى التوقف عن قتل أطفال فلسطين، وتركها للفلسطينيين، وتتهم الإسرائيليين بالقتل من أجل المال. وسأل التلاميذ الإسبان، الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة وعشرة أعوام في رسائلهم الممهورة بختم المدارس الرسمي، السفير الإسرائيلي في مدريد: «كم فلسطينيا قتلت أنت أيها السفير». كما كانت نحو تسعين شخصية بريطانية من أعضاء مجلس العموم واللوردات البريطانيين ومن المحامين والممثلين وشخصيات أخرى قد وجهت رسالة إلى الحكومة البريطانية تدعوها فيها للالتزام بالاتفاقات الدولية التي تنصّ على ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب بغض النظر عن منصب أو جنسية الملاحقين قانونيا، كما ظهر ضوء خافت لدعم العدالة في نفق الكونغرس الأميركي عندما دعا، في رسالة، نحو 54 نائبا ديمقراطيا، أوباما إلى العمل لتخفيف الحصار على المدنيين العزل في غزة، كما تعالت دعوات أكاديميين أميركيين لفرض مقاطعة أكاديمية وثقافية واقتصادية على إسرائيل على خلفية العدوان على غزة واستمرار فرض الحصار عليها. كما كان قد تمّ في أوائل الشهر الفائت تنظيم حملة لمقاطعة الورود الإسرائيلية التي تُصدّر إلى هولندا ووضعت لافتات تقول: «انتبه لا تهد محبوبتك وردة العار، لا تبتع ورودا مختومة باسم (هولندا) لأن معظمها يأتي من أرض مغتصبة». كما أن صانع أفلام يهودي يعرض فيلم «بلعين حبيبتي» الوثائقي الذي أنتجه عام 2006 في جامعات منطقة بوستن. لأسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي بوابة إلكترونية ويمكن للجميع زيارته وقد أقام محاضرات وندوات ومظاهرات في جميع أنحاء العالم لإظهار الوجه العنصري للكيان الصهيوني وإظهار مدى وعمق الجرائم التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني الأصلي على مرأى العالم ومسمعه.

وقد دقّ هذا الأسبوع جرس الإنذار في الكيان الصهيوني بحيث أعدت وزارة خارجية الكيان قوائم من الطلاب الذين يجب أن يرافقوا أي محاضر من إسرائيل ليجلسوا في القاعة ويرفعوا الأعلام الإسرائيلية والهتافات المؤيدة لإسرائيل حين يبدأ الحضور بالهتافات ضد إسرائيل، والتهجم على المحاضِر الإسرائيلي كما حدث أخيرا في جامعات ومراكز ثقافية شتّى في العالم. كما نظم الكيان لأول مرة حملات دبلوماسية هدفها حماية صورة إسرائيل من «التهم أو التشويه» الذي يلحق بها في الغرب حسب تسمياتهم والذي ما هو إلا الظهور الحقيقي لحقائق ما ترتكبه إسرائيل بحق الفلسطينيين وما درجت على ارتكابه من جرائم بحق الفلسطينيين منذ ستين عاما، إلا أن المجتمع الدولي كان صامتا إلى حدّ بعيد، أما الآن، وبغض النظر عن صمت الحكومات والحكام، فإن المثقفين والبرلمانيين وأساتذة الجامعات ومنظمات المجتمع المدني والوزراء السابقين قد بدأوا بتشكيل عشرات المنتديات والفعاليات في العالم لنصرة أهل فلسطين وهؤلاء هم من المسيحيين والمسلمين واليهود لتعرية الجرائم الإسرائيلية وتقويض الكذبة التي تبناها وروّج لها هذا الكيان بأن صراعه في المنطقة ديني وأن المسلمين هم ضدّ اليهود في فلسطين.

في هذا الأسبوع بالذات «أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي» تكثفت الاتصالات والجهود الأميركية والغربية مع كلّ الأطراف العربية لدفع لجنة المبادرة العربية في القاهرة إلى اتخاذ قرار يعمق الخلافات في الصفوف الفلسطينية ويوفر لإسرائيل غطاء تفاوضيا خاليا من أي مرجعيات أو ضمانات أو التزامات حقيقية تجاه عملية السلام، فيما تستمر إسرائيل بعملية التهويد المتسارعة للمقدسات تحت صمت وغض نظر كل الحكومات الإسلامية بالإضافة للاستيطان والحصار وهدم المنازل. حكومة إسرائيل كانت أول المرحبين به ولم تضيع وقتا على الإطلاق لاستثماره لتلميع صورتها حين سارع نتنياهو للتبجح قائلا: «إن إسرائيل ليست العقبة في طريق السلام»! ولكن وبعد أقل من ثمان وأربعين ساعة من هذا القرار، ونحن ما زلنا في أسبوع «الفصل العنصري الإسرائيلي» الدولي تهاجم جحافل الاحتلال الإسرائيلي الحرم القدسي الشريف من بواباته السبع وتعتدي على المصلين الفلسطينيين، كما تقوم آليات الاحتلال بدهس أربعة أطفال في الضفة لم نتمكن من الحصول حتى على أسمائهم، هذه الضفة التي وصفت قبل يومين بأنها «جزيرة آمنة ومزدهرة ومستقرة».!! الأمر الذي يكشف إصرار حكام إسرائيل على إرسال برقية مستعجلة للجنة العربية تؤكد على استمرار إسرائيل بارتكاب جرائم القتل والإرهاب والاستيطان وهدم المنازل رغم «القرار» العتيد!

وفي هذا الأسبوع أيضا أثارت وسائل الإعلام الأميركية ضجة إعلامية حول العميل مصعب ابن القيادي في حماس حسن يوسف المعتقل في السجون الإسرائيلية وأجريت معه المقابلات في الـ«سي إن إن» والـ«بي بي سي»، وذلك لأنه خان أهله ووطنه وأسرته ودينه وبذلك تم تقديمه كنموذج للعملاء «المتعاونين» في وقت يعتمد فيه الكيان الصهيوني على مبدأ الاختراق في اغتيالاته وجرائمه واحتلاله وتعتبر هذه الجرائم انتصارا وإنجازا يمنح بموجبها الأوسمة للقتلة الذين يمارسون الإرهاب.

إن عملية الترويج المشينة للخيانة تصيب أطفال وأبناء فلسطين والعالم بالقرف، وهي في النهاية تحصنهم أكثر ضد الاختراق المخابراتي الإسرائيلي، لأن ما يمثله مصعب حسن يوسف يتناقض وأبسط الأخلاق الإنسانية والتعليم والدين والكرامة الشخصية والوطنية، ولكنه يمثل النظرة العنصرية الإسرائيلية للعرب عموما الذين تريدهم عملاء يخدمون مصالحها وحسب.

وفي هذا الأسبوع أيضا أصدرت لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس توصية باعتبار ما جرى للأرمن في تركيا في بداية القرن الماضي «إبادة جماعية» وذلك في ردّ واضح ومباشر على سياسة الحكومة التركية والتي سلطت الضوء في السنتين الأخيرتين، بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، على الجرائم الإسرائيلية في فلسطين واتخذت موقفا مشرفا في المنابر الدولية لدعم العدالة للشعب الفلسطيني والوقوف في وجه الظلم والإجرام في وقت لا تجرؤ فيه إلا قلة قليلة جدا من حكام العالم على الوقوف وقفة حق، وقول كلمة حق، في وجه التهديد والابتزاز والجرائم التي يتعرضون لها من وسائل الإعلام الموالية لإسرائيل ومن مجموعات الضغط الصهيونية ومن فرق الموت التابعة للموساد.

هذا الأسبوع يظهر من دون أدنى شك أن النضال من أجل العدالة والحرية في فلسطين، ومن أجل إظهار حقيقة ما ترتكبه إسرائيل من جرائم حرب وحصار واستيطان وتهويد، ومن أجل مقاطعة كيان عدواني محتل، قد تجاوز العتبة العربية إلى العتبة الدولية الأوسع والأرحب والأهمّ. ولكنّ الخطير في الموضوع هو أن الضغوط على العرب تمارس لاستصدار قرارات هدفها التغطية على الإحراج الدولي الذي تتعرض له إسرائيل في عواصم العالم وإيجاد مخرج أدبي لها وللإدارة الأميركية التي تدعمها بالمال والسلام والقرارات الدولية.