مراقبة أشخاص بعينهم

TT

بداية من عام 2004 وحتى عام 2009، انتهج ضباط الشرطة في مدينة نيويورك سياسة خرجت عن السيطرة، عبر إيقاف الأفراد في الشارع وتفتيشهم لما يقرب من ثلاثة ملايين مرة، وأخضعوا الكثير منهم للتفتيش الذاتي أو قل عمدوا إلى إذلال الكثير منهم.

لم يرتكب أكثر من 90% من هؤلاء الموقوفين أي مخالفات على الإطلاق. ومع ذلك قامت إدارة شرطة نيويورك بمضاعفة هذه المهانة عن طريق إعداد قاعدة بيانات إلكترونية ضخمة ودائمة لهذه المواجهات التي تمت بين هؤلاء الأبرياء من سكان نيويورك والشرطة.

ولا يقتصر الأمر على أن معظم هؤلاء الأشخاص أبرياء، لكن الغالبية العظمى منهم كانوا إما من السود أو من الهسبانك (القادمين من دول أميركا اللاتينية الناطقة بالإسبانية). لا يوجد ما يمكننا به الدفاع عن هذه السياسة، فهي ممارسة شنيعة وعنصرية، وينبغي أن تكون مزعجة لجميع سكان نيويورك، وأن تتوقف.

وتشير إحصائيات إدارة الشرطة إلى أن حالات الإيقاف بلغت 2798461 حالة خلال هذه الفترة، التي تغطي ست سنوات. ولم يرتكب الأشخاص الموقوفون في 2467150 حالة أي مخالفات. يمثل هذا الرقم 88.2 في المائة من الإجمالي. ووصل عدد الأشخاص السود الذين جرى إيقافهم خلال هذه الفترة إلى رقم مذهل وهو 1444559. وبلغ عدد الأشخاص الهسبانك الذين تعرضوا للإيقاف 843817 شخصا، ومن البيض 287218 شخصا فقط.

وفي الوقت الذي يتدنى فيه معدل الجريمة، يرتفع عدد الأشخاص الذين أوقفتهم الشرطة. ففي العام الماضي، تجاوزت حالات الإيقاف في الشوارع 565000 حالة، وهو رقم قياسي. لكن 504594 من هؤلاء الأشخاص لم يقوموا بأي مخالفات، فهم لم يرتكبوا أي جرائم، ولم تصدر بحقهم أي استدعاءات، ولم تكن بحوزتهم أسلحة أو مواد مخالفة للقانون. على الرغم من ذلك، يواصل رجال الشرطة يوما بعد يوم مضايقة هؤلاء الأشخاص الأبرياء من سكان نيويورك وإهانتهم، وفي كثير من الأحيان يجعلونهم يقفون صفا ووجوههم تجاه الجدران، أو يحنون رؤوسهم على السيارات، أو يرفعون أيديهم ويمددون أرجلهم في الشوارع ليجري تفتيشهم مثل المجرمين وسط فضول المارة، وأحيانا خوفهم أو ضحكاتهم، أو غضبهم من هذا الأمر. ولو كان ضباط الشرطة يعاملون الأشخاص البيض من الطبقة المتوسطة أو الأثرياء بهذه الطريقة، لكان الأشخاص النافذين في هذه المدينة غضبوا للغاية، ولجرى استدعاء عمدة المدينة لمساءلته في جو من الغضب الجامح، ولجرى عزل مفوض الشرطة من منصبه.

لكن غالبية الأشخاص الذين يتعرضون للإيقاف والتفتيش من الشباب، ومعظمهم من أصحاب البشرة السوداء أو البنية، ومن الفقراء. لذا شعر مفوض الشرطة راي كيلي بالراحة تماما عندما أصدرت الإدارة التي يرأسها عام 2006 أمرا بإرسال جميع التقارير الخاصة بالإيقاف والتفتيش وجمعها «ليجري إدخالها في قاعدة بيانات الإدارة».

تقول دونا ليبرمان، المديرة التنفيذية لاتحاد الحريات المدنية في نيويورك، الذي يحارب سياسة الإيقاف والتفتيش التي تتبعها الإدارة ويقوم بجمع البيانات حول هؤلاء الأشخاص الأبرياء «إنهم يجمعون الأسماء وجميع أنواع المعلومات الأخرى بشأن كل فرد يتعرض للإيقاف والتفتيش في الشوارع». وأردفت قائلة «هذه قاعدة بيانات ضخمة عن أشخاص أبرياء، الغالبية الساحقة منهم من السود واللاتينيين».

وأوضح مفوض الشرطة أن قاعدة البيانات الضخمة تلك، والتي يضاف إليها نحو نصف مليون حالة إيقاف أو يزيد كل عام، ستكون سمة دائمة للعمليات التي تقوم بها الإدارة. وفي خطاب أرسل الصيف الماضي إلى بيتر فالوني الابن، رئيس لجنة السلامة العامة بمجلس المدينة، قال مفوض الشرطة «تظل المعلومات الواردة في قاعدة البيانات الخاصة بالإيقاف والاستجواب والتفتيش هناك إلى أجل غير مسمى ليجري استخدامها في تحقيقات مستقبلية. لذا، لا توجد أي توجهات حالية في الإدارة توصي بإزالة هذه المعلومات بمجرد إدخالها في قاعدة البيانات».

وأضاف «يستخدم المحققون في الإدارة في المقام الأول المعلومات الواردة في قاعدة البيانات الخاصة بالإيقاف والاستجواب والتفتيش أثناء إجراء أي تحقيق جنائي».

وعليه، تقوم الإدارة بجمع معلومات عشوائية عن سكان نيويورك الأبرياء والسود والبنيين، وفي المقام الأول الفقراء، ليجري استخدامها في بعض التحقيقات الجنائية المتوقع إجراؤها في المستقبل. لكنها لا تقوم بجمع أو تخزين كميات هائلة من المعلومات عن الأشخاص الأبرياء من الطبقة المتوسطة أو الأثرياء البيض. ما هو السبب وراء ذلك، بالضبط؟

يأتي عضو مجلس المدينة فالوني كأحد المؤيدين لسياسة الإيقاف والتفتيش، بيد أنه يشعر بالقلق بشأن الأشخاص الأبرياء الواردة أسماؤهم في قاعدة البيانات، حيث قال لي يوم الاثنين الماضي «إنني لا أؤيد الاحتفاظ غير المحدد بهذه المعلومات المتعلقة بأشخاص لم يجر القبض عليهم أو اتهامهم بأي جريمة».

بيد أن إدارة الشرطة لا تنوي تغيير سياستها. فأخبرني أحد المتحدثين باسم مفوض الشرطة كيلي بأن المعلومات التي يجري جمعها عندما توقف الشرطة شخصا بريئا «قد تكون مفيدة» في تحقيقات مستقبلية. وفي السياق ذاته يمكن أن تكون بيانات أخرى كتلك الخاصة بلوحة السيارة مفيدة «بالصورة ذاتها». ودلل على ذلك بمثال بالقول إذا خضع شخص لتحقيق جنائي وقال إنه كان في «مكان معين في وقت معين»، فيمكن للمعلومات المخزنة في قاعدة البيانات الخاصة بالإيقاف والتفتيش أن تساعد الشرطة على تحديد صحة ما يقوله هذا الشخص.

ويوحي هذا المثال بأن الأشخاص الأبرياء الذين يتعرضون للإيقاف على الرغم من ذلك في دائرة الاشتباه دائما، وهذه هي القضية بالطبع.

* خدمة «نيويورك تايمز»