مجلس خبراء القيادة ودائرته الزائفة

TT

عقدت الجلسة الأخيرة من مجلس خبراء القيادة الإيراني في شهر فبراير (شباط) الماضي، وأصدر المجلس بيانين، تم نشر الأول باعتباره إعلان مجلس خبراء القيادة، والثاني إعلان لجنة التحقيق بالمجلس.

وفقا للدستور الإيراني، يتولى المجلس مسؤولية الإشراف على أعمال المرشد الأعلى وانتخابه وعزله من منصبه. وفي حالة وفاة هذا المرشد، أو استقالته أو عزله، يتعين على الخبراء اتخاذ الخطوات اللازمة في أقصر وقت ممكن لتعيين مرشد جديد. (دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مادة 109). «عندما يعجز القائد عن القيام بواجباته الدستورية، أو يفقد أيا من مؤهلاته الواردة في الدستور، أو بات يعرف أنه لم يكن لديه بعض هذه المؤهلات في بادئ الأمر، فسيجري عزله من منصبه» (المادة 111).

ولم يقم المجلس قط بعزل أي مرشد أعلى من منصبه، ولأن جميع اجتماعاته ومذكراته سرية للغاية، فإنه لم يعرف على الإطلاق أن المجلس رفض أيا من القرارات التي اتخذها المرشد الأعلى أو حتى أشرف عليها علنا.

وللمرة الأولى في تاريخ مجلس خبراء القيادة، قامت لجنة التحقيق بنشر بيانها، بل ووقع عليه محسن مجتهد شبستري، الذي يؤم صلاة الجمعة في تبريز رابع أكبر مدينة في البلاد ورئيس لجنة التحقيق. ويعد شقيقه آية الله محمد مجتهد شبستري إحدى الشخصيات البارزة في «الحركة الخضراء». ويعد محمد مجتهد مفكرا وفيلسوفا وأحد الكتاب الذين تحقق مؤلفاتهم أعلى مبيعات. وبالإضافة إلى ذلك، فهو أحد أشهر ناقدي مبدأ ولاية الفقيه وقيادة آية الله خامنئي.

ويبدو لي أن هذين الشقيقين من رموز إيران الحالية. روى الشاعر الإيراني الكبير سعدي شيرازي قصة جميلة في كتابه «غولستان» (بساتين الزهور)، حيث قال «كان هناك شقيقان، أحدهما يخدم السلطان والآخر يحصل على المال من كد يده. وذات مرة سأل الرجل الثري شقيقه الفقير لماذا لا يخدم السلطان كي يتم إعفاؤه من مشقة العمل. فأجاب الشقيق: «لماذا لا تكد كي تعفى من ذل الخدمة، لأن الفلاسفة قالوا لئن تأكل الخبز المتعفن وتجلس خير من أن تتحزم بحزام من الذهب وتظل في العبودية؟»

لئن تنحت الصخر بيديك أفضل من أن تقف ذليلا أمام سلطان. إذا تخيلنا أن الحكومة الإيرانية في جانب و«الحركة الخضراء» على الجانب الآخر، فإن هذين الشقيقين يمثلان الاتجاهين.

فلنكن صادقين تماما، تتشابه المؤلفات التي يكتبها محسن إلى حد كبير مع التراث الذي خلفته أسرة قاجار، فهذه المؤلفات تعج بالثناء والتمجيد لآية الله خامنئي، مثلما كان بعض الكتاب أيام أسرة قاجار يمجدون نصر الدين شاه. وعلى الجانب الآخر، المؤلفات التي يكتبها محمد مليئة بالفكر، إنها فلسفية وصوفية إلى حد بعيد. وكما نعرف، يقول هولدرلين إن اللغة هي بيت الأفكار. ويبدو لي أنه وفقا لمؤلفات محسن من المستحيل التفكير والتفريق بين الفئات. هذه اللغة موجهة للطاعة. هذه لغة يستخدمها هذه الأيام قوات الأمن والميليشيات في إيران. إنها لغة غريبة ومثيرة للاشمئزاز تلك التي استخدمت لضرب وقتل الطلاب في المساكن الجامعية في جامعة طهران.

وعلى الجانب الآخر، ينظر آية الله خامنئي إلى الحكومة الإيرانية على أنها تعمل وفقا لخطة إلهية أو خطة نبوية. يعني ذلك أنك إذا انتقدت الحكومة، أو على سبيل المثال إذا قلت إن هناك تجاوزات ضخمة ومعقدة في الانتخابات الأخيرة في إيران، فإنك تعارض الله سبحانه وتعالى وتعارض الرسول. وبكل صراحة تلا آية الله خامنئي هذه الآية في خطابه «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول».

وقال إن استراتيجية الحكومة هي استراتيجية إلهية، وإذا أنكرت هذه الفكرة، فلم تعد داخل النظام الحاكم. باستخدام هذه الطريقة من التفكير والحكم، أدانت لجنة التحقيق بمجلس خبراء القيادة مركز أبحاث لنشرهم بيانها الأول. وكان الدكتور رضوان السيد كتب مقالا جيدا للغاية، نشر في «الشرق الأوسط» بتاريخ 22 يناير (كانون الثاني) 2010 تحت عنوان «المثقفون الإيرانيون والخروج من المأزق».

وذات مرة قال آية الله العظمى الراحل منتظري إن حكومة إيران ليست جمهورية ولا إسلامية. لقد كان ذلك هو رأيه الأخير أثناء تشكل «الحركة الخضراء» في إيران. يعد مجلس خبراء القيادة مثالا جيدا للغاية يوضح قتل الأبرياء وضرب الطلاب في الشوارع والجامعات واعتقال آلاف المتظاهرين من دون أي بينة، كل هذه الدلائل تظهر أن حكومة إيران تتصرف باعتبارها تستمد العون من السماء وأن قائدها هو ممثل الإمام الثاني عشر.

وبلا أدنى شك، هناك فجوة حقيقية بين الحكومة ومؤيديها من ناحية، والنخبة والطلاب والكتاب والفنانين والصحافيين وغيرهم من ناحية أخرى. وفي الأسبوع الماضي، تم حظر آخر صحيفة إصلاحية، وهي صحيفة «اعتماد».

كل هذا يشير إلى أنه طالما أن مجلس خبراء القيادة ليس مستقلا، ولا يتمتع بأي سلطة حقيقية لإدانة القائد، أو حتى عزله من منصبه، فلن يكون هناك أي حل فوري للأزمة الحالية في إيران.