المبحوح بحة مستديمة في الحلق الصهيوني

TT

هذا القائد العسكري الشجاع والذي جند الكيان الصهيوني لاغتياله 27 عنصرا من الاستخبارات الصهيونية في سابقة نادرة في سجل الاغتيالات السياسية مع أنها تعلم يقينا أنه سافر وتنقل وسكن لوحده، هذا المبحوح ليس مبحوح الصوت بل دوى صوته وصيته عاليا في جنبات كوكبنا، وإذا أراد الله نشر شهرة أتاح لها تخبطا استخباراتيا صهيونيا، فهذا المبحوح كان طيلة حياته لا تسمع من حديثه إلا همسا ولا من حركته إلا أثرا، تحول المبحوح كما قال قائد الشرطة الناجح ضاحي خلفان في حديثه مع الزميل تركي الدخيل في «إضاءته» في قناة «العربية» إلى بطل إسلامي وقومي وفلسطيني أمست سيرته «البطولية» بعد الاغتيال على كل لسان، وخاصة بين الجيل الفلسطيني الناشئ، والنتيجة المنطقية أن عددا من «المبحوحين» وربما أكبر خطرا من المبحوح نفسه يجري الآن توظيفهم وإعدادهم وسيستفيد معدوهم من السمعة البطولية التي وفرتها الاستخبارات الإسرائيلية في اغتيال هذا الرمز حتى طيروا ذكره في شرق الأرض وغربها، وأكاد أجزم أن النجاح «المحدود» الذي حققته الاستخبارات الصهيونية في اغتيال المبحوح يمثل معركة في حرب شرسة لا يبدو أن إسرائيل ستحقق انتصارا حقيقيا فيها.

هذا القائد العسكري المهم الذي يقال إنه مهندس تهريب الأسلحة إلى داخل قطاع غزة، وهو الذي استطاع في مشهد هوليوودي مثير أن يخطف الجنديين الإسرائيليين سسبورتس وإيلان سعدون ثم يجهز عليهما، حتى صار المبحوح على رأس قائمة المطلوبين إسرائيليا منذ الاختطاف «المبحوحي» الأول عام 1987، هذه المعطيات الخطيرة جعلت عددا من المراقبين ومن ضمنهم ضاحي خلفان لا يفهمون كيف تركته حماس يسافر لوحده ويتنقل لوحده ويسكن لوحده حتى ولو كان بطلا في كمال الأجسام وعنده الحزام الأسود في مصارعة الجودو؟

من المؤكد أن حماس لم تتساهل في حماية أحد أبرز كوادرها، ولهذا يرى آخرون أن حماس تعمدت ترتيب سفره لوحده حتى لا تحدث حركاته وتنقلاته ما يلفت الأنظار إليها، كما تعمدت إضفاء قدر من السرية والتعتيم على تنقلات كوادرها من الصف الثاني وتحت أسماء مستعارة خاصة القيادات العسكرية مثل المبحوح لأن عددا من هذه الكوادر تعرضت لتحقيقات وسجن وأحيانا إلى تعذيب بمجرد مرورها ببعض الدول العربية التي لا ترتاح للدور القوي والمتنامي لحركة حماس على الساحة الفلسطينية على حساب الدور الضعيف للسلطة الفلسطينية، أو أن هذه الدول العربية يضايقها كثيرا اتصالات حماس الوثيقة بإيران.

لقد حاولت الاستخبارات الإسرائيلية ألا تترك أثرا لجريمتها عبر تجنيد عدد كبير من عناصر وحدة «كيدون»، وهي فرقة الموت التابعة للموساد والمتخصصة في تنفيذ عمليات الاغتيالات، كما حاولت استخدام عمليات تمويه معقدة، وكذلك توظيف تقنيات متطورة في اغتيال المبحوح، إلا أن فضح السلطات الإماراتية لتفاصيل هذه الجريمة أربك الكيان الصهيوني وأحرجه مع حلفائه الغربيين خاصة مع استخدام جوازات عدد من الدول الأوروبية، والذي لم يفهمه عدد من المراقبين: كيف لم تستفد إسرائيل من السرعة الفائقة التي نجحت فيها سلطات دبي من كشف خيوط قتل المغنية اللبنانية سوزان تميم؟ وكيف لم يستوعب الإسرائيليون تطور التقنيات الأمنية المستخدمة في إمارة دبي خاصة الكاميرات؟ وهذه بالذات لا تحتاج إلى عناصر استخباراتية محترفة حتى تحس بوجودها وهي المزروعة في كل زاوية مهمة، ومع أن عملاء الموساد قد حققوا نجاحا نسبيا في التعامل مع كاميرات الممر الموجودة فيه غرفة المبحوح، فإن الإسرائيليين وبغباء أو استغفال للأمن الإماراتي لم يعوا أن كاميرات التصوير تنتشر في معظم أرجاء دبي، فكان أن تم توثيق تحركات المجرمين منذ وصولهم دبي وحتى مغادرتهم.

الأيام حبلى بعدد من المبحوحين المستنسخين من مبحوحهم الأكبر، والفضل يعود إلى إسرائيل وغطرستها واستخفافها بخصومها.