خطاب الملك.. رسالة واضحة

TT

لا عجب أن جاءت عناوين جل الصحف السعودية متشابهة بتغطيتها لخطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز أمام مجلس الشورى، والسبب أن الملك لامس أولويات وهموم المواطن. ففي خطابه قال الملك: «إن ما تحقق من إنجازات لا يلبّي طموحاتنا»، لتكون بلادنا «في مصافّ الدول المتقدمة»، مضيفاً أن «الوطن للجميع»، والمعيار هو مقدار العطاء والإخلاص بخدمة السعودية. ثم قال إن «الكلمة أشبه بحد السيف، بل أشد وقعاً منه، لذلك فإنني أهيب بالجميع أن يدركوا ذلك، فالكلمة إذا أصبحت أداة لتصفية الحسابات، والغمز واللمز، وإطلاق الاتهامات جزافاً كانت معول هدم لا يستفيد منه غير الشامتين بأمتنا، وهذا لا يعني مصادرة النقد الهادف البنّاء، لذلك أطلب من الجميع أن يتقوا الله في أقوالهم وأعمالهم، وأن يتصدوا لمسؤولياتهم بوعي وإدراك، وأن لا يكونوا عبئاً على دينهم ووطنهم وأهلهم».

حديث الملك جاء مؤكداً على أن وطناً وحّده المؤسس الملك عبد العزيز طيّب الله ثراه، وجمع شتاته، على أساس العدل والمساواة والأمن، كان ولا يزال وطناً للسعوديين، بكل أطيافهم، ومعيار المواطنة هو الإخلاص والتفاني، ولا معيار آخر. رسالة واضحة، فالعاهل السعودي كان يفند أموراً شغلت الرأي العام مؤخراً، ومن بينها، مثلا، قضية «تكافؤ النسب» التي حسمتها المحكمة العليا، بلحظة تاريخية سُجلت للقضاء، وللدولة السعودية ككل.

وكم كان الملك شفافاً، وهو يقول لمواطنيه، إن ما تحقق في «وطن الجميع» لا يلبّي طموحات السعوديين الذين يرومون رؤية بلادهم بمصافِّ الدول المتقدمة، دولة لها رسالة سامية، بسبب مكانتها الدينية، واعتدالها السياسي، وما منّ الله به عليها من خيرات، أهمها، وقبل كل شيء، أبناؤها وبناتها، وهذا حديث يرد على كل متصيد يحاول تأليب الدولة والمجتمع على من ينادي بالإصلاح، والتطوير، اللذين هما أساس كل تقدم.

ولضمان هذا التقدم، كان الملك واضحاً وهو يحذر من كلمة قد تجلب فتنة أشد من قتل، وقد رأينا كثيراً من ذلك سواء مقالات، أو بيانات، أو فتاوى تحريضية. إلا أن الملك لم يضرب هذه بتلك، وهو يحذر من عواقب الكلم المضر، مطالباً من يلقون الكلام على عواهنه بأن «لا يكونوا عبئاً على دينهم ووطنهم وأهلهم»، حيث شدد على أن كلامه لا يعني مصادرة النقد الهادف البنّاء، باتساق واضح مع طموح الملك بأن تكون بلاده بمصافِّ الدول المتقدمة، كما أنها رسالة لكل مسؤول يضيق بالنقد، وكشف العيوب، مثلما أنها رسالة للمواطن مفادها أن صدر الحاكم يتسع للنقد، فلم ينادِ الملك بتكميم الأفواه، أو قمع الحريات الإعلامية، بل طالب بالمسؤولية، وهذا أمر مشروع.

صحيح أن العاهل السعودي ناقش قضايا كثرا في خطابه الموزع على المجلس، إلا أن كلمته الموجزة التي ألقاها لامست مواطنيه بعمق، حيث تناول قضايا ملحّة، جهر بها البعض، بحق ومن دون حق، بينما آثر كثر الصمت حيالها حرصاً على البلاد، وقناعة بأن الحاكم لن يتجاهلها، وهذا ما فعله الملك حين لم يتجاهلها، بل إنه وضع النقاط على الحروف.

[email protected]