هل ديمقراطية العراق معدية؟

TT

لا، أبدا، العكس هو الصحيح. فالنظام الفردي أكثر جاذبية وفعالية وقدرة على اختراق العقول والحدود، وهو اليوم المهيمن في المنطقة. إذن فلا خوف من انتخابات العراق، على الرغم من أن نسبة المصوتين تجاوزت الستين في المائة من المؤهلين للتصويت، وهي نسبة عالية جدا. فالعادة أن الناس لا تسير على أقدامها مسافات بعيدة وتقف في طوابير طويلة من أجل أن تنتخب أناسا لا تظن أنهم سيغيرون في حياتها الكثير.

لهذا أرجو من الجميع ألا يهلعوا من مناظر الاقتراع وجحافل المصوتين وإعلانات المرشحين وبيانات التغيير الانتخابية وسقوط وصعود القوى المحلية بيد المواطنين. هذه احتفالية استثنائية لن تتكرر في المنطقة، لأن مخاضها صعب، ولا توجد قوة في العالم قادرة على رعايتها وحمايتها. أما التجربة العراقية فهي نتيجة لظروف استثنائية، كانت من ضرورات مشروع إسقاط نظام صدام حسين، بعد أن فشلت المعارضة المدنية والمعارضة المسلحة ومشاريع الانقلاب والتسميم، وولد النظام العراقي الجديد في بركة كبيرة من الدم، لن تتكرر محاولتها في زمن قريب. ومن قرأ الحدث العراقي في السنوات الست الماضية فسيدرك أن معظم العنف الذي أصاب العراق تم تصديره من الخارج، من الجوار، لهذا السبب بعينه، وليس محاربة للاحتلال العسكري الأميركي أو كرها في القيادات السياسية العراقية. فكرة فرض الديمقراطية مسألة مخيفة ومكروهة، وهناك إجماع إقليمي على مقاتلتها.

أما ماذا سيحدث للتجربة الانتخابية البرلمانية العراقية، فإنها أصبحت تقريبا مرهونة في يد العراقيين أنفسهم، ولن يستطيع الأميركيون حمايتها طويلا، ولا أعتقد أن دول المنطقة تهتم كثيرا بإسقاطها، بعد أن أثبتت أنها قادرة على تخريبها، وكلفت راعيتها الكثير من الدم والدولارات.

الخشية من فيروس النظام الفردي أن يصيب القيادات العراقية مستقبلا، وليس من النظام الديمقراطي في أن يتسلل إلى بقية الدول العشرين القريبة. فالديمقراطية بالفعل مسألة ثقافية وتطور نوعي بطيء، ومهمة صعبة في مجتمعات لا تزال قبلية، تغلب عليها الأمية أو شبه الأمية. وليس من السهولة على الحاكم العراقي أن يقبل التنحي عن الحكم، لمجرد أن فترة ولايته انتهت، أو أن يغامر بأن يحتكم للناس لانتخاب. وإذا كان ديمقراطيا حتى النخاع فإنه سيجد من الصعوبة ابتلاع النظام الذي يمنعه من استخدام أموال الدولة في رعاية برامجه الانتخابية والحزبية، وشراء الأصوات، وتسخير إعلام الدولة لدعايته أو لنقد خصومه. إنها نوازع البشر في حب التملك، التي، بلا قوانين صريحة تحد منها، وقضاء يفرضها، وقوة تحميها، فلن يمكن كبحها.

الجزائر والسودان وفلسطين، ثلاث محاولات ديمقراطية أجهضت في مهدها بالقوة، وانتهت إلى وضع أسوأ مما كان قبلها. تجارب صارت تخيف عامة الناس من الفكرة، ثم جاءت أحداث العراق لتجعلهم يرتعبون خوفا، خشية أن يقال لهم غدا، اخرجوا للتصويت.

[email protected]