كيف خطف ريغي؟

TT

السؤال الذي طرحته في مقال سابق حول كيف جاز للقوات الجوية الإيرانية أن تجبر طائرة مدنية أجنبية تمر في أجوائها، هي الخطوط القيرغيزستانية، على الهبوط في مطار بندر عباس من أجل اعتقال راكب كان في رحلة من دبي إلى قيرغيزستان؟

أليست تلك قرصنة جوية يحاسب عليها القانون الدولي؟ وكيف جاز لوزارة الخارجية الإيرانية أن تعنف السفير القيرغيزستاني لأن الطائرة كانت تحمل عبد الملك ريغي، المطلوب إيرانيا بتهمة قيادة حركة جند الله البلوشية الانفصالية، في حين يفترض أن وزارة الخارجية القيرغيزستانية هي من يستدعي السفير الإيراني وتوجه إلى بلاده تهمة القرصنة الجوية، وترفع شكوى إلى الأمم المتحدة ضد حكومة طهران؟

بعد تقصي المسألة وجدت أن الإيرانيين لم يكونوا أذكياء في رصد خصمهم ريغي واستدراجه في رحلة تمر في الفضاء الإيراني، بل المدهش أنهم لم يجبروا قائد الطائرة على الهبوط كما أشيع، بل إن قائد الطائرة هو من طلب الهبوط طوعيا ولم ترافقه طائرات عسكرية.

القصة، كما رواها مصدري، أن فريقا استخباراتيا إيرانيا رصد ريغي مبكرا واقتفى أثره في رحلته من كابل الأفغانية إلى دبي، حيث توقف في مطارها لساعتين ترانزيت. واستقل من دبي طائرة قيرغيزستانية مجدولة إلى بلدها. وكان هناك رجال أمن إيرانيون سريون، قدر عددهم بثلاثة، أيضا قد حجزوا معه مقاعد على الرحلة نفسها. وفي الجو، وفي نقطة محددة، ادعى أحد الركاب المرض فأعلن قائد الطائرة للركاب يطلب إن كان بينهم طبيب أن يعرّف نفسه ويساعد على علاج المريض. وبعد أن عاين الطبيب الراكب، المريض الراكب الآخر، أبلغ قائد الطائرة بأن حالة الرجل خطرة وأنه يمر بأزمة قلبية ولا بد من هبوط عاجل لإنقاذ حياته. ووفقا للقواعد المرعية سارع قائد الطائرة طالبا الإذن من السلطات الإيرانية بالهبوط في مطار بندر عباس وهو الأقرب. وعلى المدرج كانت القوات الأمنية تحيط بالطائرة وتعتقل ريغي. طبعا لم يكن المريض والطبيب إلا من أفراد المخابرات الإيرانية الذين صعدوا إلى الطائرة الذين أدوا مسرحية باهرة، وغرروا بطاقم الطائرة.

هل تكون السلطات الإيرانية ارتكبت جريمة وخرقت القانون الدولي بما فعلته؟ بالتأكيد، لأنها خططت لإنزال الطائرة واعتقال الراكب، إنما قال لي مصدري، صحيح أن الإيرانيين تآمروا لإقناع قائد الطائرة بالهبوط، واعتقال المطلوب ريغي، لكنهم فعلوا ذلك كله وفق قواعد معمول بها في الطيران المدني، ولا تستطيع أن تلاحقهم بسببها، كما أن ريغي مواطن إيراني أيضا، حتى وإن حمل جوازات من جنسيات أخرى.

هي عملية قرصنة وخطف أنيقة، لكن ليس النظام الإيراني دائما بهذه الأناقة، فقد سبق أن نفذ عمليات أكثر وحشية وصريحة في خرق القانون، سواء بالاغتيال المباشر لمعارضيه في الخارج، أو الاختطاف الصريح. قبل أشهر جرى خطف أحد المعارضين الأهوازيين من شوارع بيروت في وضح النهار، ونقل إلى مبنى السفارة الإيرانية في بيروت، ثم تبخر الرجل. وإلى اليوم لم يحتج أحد من المسؤولين اللبنانيين، بل فضل الجميع الصمت وعدم التورط مع الإيرانيين وحلفائهم في لبنان.

[email protected]