تساؤلات حول علاقات أوباما بزعماء أجانب

TT

طلبت، أخيرا، من كثير من المسؤولين البارزين في الإدارة الأميركية، بصورة منفصلة، تسمية زعيم أجنبي كوَّن الرئيس الأميركي باراك أوباما معه علاقة شخصية حميمة خلال العام الأول من ولايته. ولكن، كانت هناك كثير من النحنحات، وذكر كلام له أكثر من معنى.

تحدث مسؤول عن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، المقرر أن يحضر زوجته الفاتنة إلى مقر الإقامة في البيت الأبيض خلال الشهر الحالي لتناول العشاء مع الرئيس الأميركي بارك أوباما وعقيلته ميتشل. ولكن داخل فرنسا، يعد شعور ساركوزي بالغضب من أوباما سرا معروفا، وهو نتاج تصرفات اعتبرت إهانات. وترد تقارير كثيرة حول ذلك في الصحف الفرنسية. وخلال كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول)، بدا ساركوزي وكأنه يسخر من مبادرة أوباما الخاصة بنزع السلاح، حيث قال: «نحن نعيش في عالم واقعي، وليس في عالم افتراضي».

وطرح أيضا اسم أنجيلا ميركل، وقيل لي: إن أوباما والمستشارة الألمانية لهما منحى برغماتي عملي مشترك. ولكن، تتصرف ميركل ببرود مريب إزاء أوباما، منذ أن توقف في برلين خلال حملته الانتخابية عام 2008. ومنعت ميركل أوباما حينئذ من الظهور عند بوابة براندنبورغ، وقيل إنها كانت غاضبة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عندما لم يظهر أوباما في احتفالات بمناسبة الذكرى العشرين لانهيار سور برلين. وعلى أي حال، يقول دبلوماسيون إن ميركل لها علاقة أكثر دفئا مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودهام كلينتون.

ولم يذكر أي شخص غوردن براون. ومن الملحوظ أن العلاقة بين أي رئيس وزراء بريطاني والرئيس الأميركي كانت دوما علاقة حميمة على مدار الثلاثين عاما الماضية. ويمكن أن نتذكر ريغان وثاتشر، وكلينتون وبلير، وبوش وبلير. ولكن، قيل إن أوباما أبدى قلة احترام تجاه براون منذ أن أهدى له مجموعة من أسطوانات «دي في دي» كهدية خلال اجتماعهما الأول في واشنطن قبل عام. وفي الخريف الماضي، ذكرت الصحافة البريطانية أن البيت الأبيض رفض خمس طلبات لأوباما للاجتماع مع براون في الأمم المتحدة أو قمة مجموعة العشرين.

وفي النهاية، طُرح علي اسم لم أتوقعه: دميتري ميدفيديف. وقيل لي إن أوباما كون علاقة قوية مع الرئيس الروسي خلال الاجتماعات الثنائية الأولية بينهما، والتي ركزت بصورة جزئية على اتفاقية جديدة للحد من الأسلحة النووية، ويرى كلاهما أنه إنجاز مهم. ومع ذلك، لم يتم الانتهاء من الاتفاقية، وربما لأن فلاديمير بوتين، الذي تجنب أوباما إقامة علاقة قوية معه، لا يحبها. هل من الممكن أن يجد رئيس أميركي شريكه الأجنبي الأقرب داخل الكرملين؟

المفارقة هنا هي أن أوباما لا يزال يحظى بشعبية كبيرة في الخارج، من ألمانيا وفرنسا إلى دول كانت المعارضة لأميركا فيها مشكلة قريبا، مثل تركيا وإندونيسيا.

وتعني مجموعة المعجبين به أنه، في الدول الديمقراطية على الأقل، يكون لدى الزعماء حافز قوي لتكوين علاقة صداقة معه. ومع ذلك، يبدو أن هذا الرئيس ليس لديه أصدقاء حقيقيون في الخارج حتى الآن. وفي هذا الصدد، نجده على النقيض من جورج دبليو بوش، الذي كان ملعونا بين الشعوب الأجنبية، ولكنه كون علاقات قوية مع عدد كبير من الزعماء: أثنار من إسبانيا؛ وأوريبي من كولومبيا؛ وشارون وأولمرت من إسرائيل؛ وكويزومي من اليابان.

وربما يلعب الشعور بالغيرة أو المنافسة السياسية دورا في هذا الأمر، فساركوزي من بين كثير من الأوروبيين الذين يريدون استئناف دور الحليف الأقرب لأوباما، وكان رد فعله ضعيفا عندما لم يرد. ولكن، ثمة سبب آخر مهم، وهو قلة الاهتمام من جانب أوباما. ويركز الرئيس، متعمدا، على أجندته الداخلية، ويقال إن أوباما يتردد في قضاء وقت من أجل تكوين علاقات مع زعماء أجانب. وإذا كانت هناك حاجة للقيام بشيء أو البت في أمر، فإنه مستعد لالتقاط سماعة الهاتف. وإن لم يكن ذلك، فإنه ليس متاحا بصورة عامة.

كما لم يتردد أوباما في التعبير علنا عن الشعور بالغضب من حلفاء لأميركا. وقد تجادل طوال العام الماضي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأعرب عن نفاد صبره عندما عجز رئيس الوزراء الياباني عن تنفيذ اتفاق خاص بقاعدة عسكرية.

وانتقد نظيره الأفغاني حميد كرزاي أكثر من مرة، ولم يعد يتحدث مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عبر الـ«فيديو كونفرانس» كما اعتاد بوش.

ويمكن أن يقال إن ذلك جميعه لا أهمية له، فعلى كل حال، وجهت انتقادات إلى بوش بسبب اعتماده بدرجة مبالغ فيها على علاقاته الشخصية، ولم يفلح أصدقاؤه في إنقاذ إدارته من وصفها في مختلف الأنحاء بأنها «أحادية». وفي المقابل، يمكن أن تقول إدارة أوباما إن أداءها كان جيدا نوعا ما خلال عملية حشد الدعم الأوروبي وراء قضايا مهمة مثل أفغانستان وإيران. ولا تزال شعبية أوباما الشخصية نقطة تأثير لدى زعماء في مختلف أنحاء العالم، سواء كانت لهم علاقات حميمة معه أم لا.

ولكن، ثمة سؤال مستحق: هل كان ساركوزي سيقف ضد الرأي العام الفرنسي ويرسل المزيد من القوات إلى أفغانستان (وقد رفض ذلك) لو كانت له علاقة أقوى مع أوباما؟ وهل كان نتنياهو سيبدي استعدادا لمواجهة مخاطر أكبر فيما يتعلق بعملية السلام (المتجمدة) داخل الشرق الأوسط إذا كان يعتقد أنه يمكنه الاعتماد على الرئيس الأميركي الحالي؟ وهل كان كرزاي سيتعاون بدرجة أكبر مع القادة الأميركيين الميدانيين لو عانقه أوباما؟

تبدو الإجابات واضحة. وفي الشؤون الخارجية والمحلية، للعلاقات الباردة تكلفتها.

* خدمة «واشنطن بوست»