هكذا تكشّف لنا العراق

TT

كشفت الانتخابات التشريعية الأخيرة في العراق عن عراق لم يسبق أن نجحت وسائل الإعلام في تظهيره طوال سنوات ما بعد سقوط صدام حسين..

حجب هذا العراق دوي السقوط وحجبه أيضا الإرهاب والحرب الأهلية، لكن وفجأة طاف على سطح المشهد عراق واعد تمكنت الكاميرات من النفاذ إلى أوجه فيه لم نرَها في الأعوام التي أعقبت سقوط نظام البعث.

وكأن الانتخابات العراقية كانت اللحظة التي احتاجها الإعلام ليعوض نقصا فادحا رافق أداءه منذ عام 2003. فالعراق الذي خرج من تجربة حكم صدام حسين الحديدية الدموية إلى تجربة التخبط والاصطدام الأهلي والإقليمي بدا ممتنعا ومنغلقا ومتخوفا من انكشافه على العالم، فأتى الأداء الإعلامي فيه حذرا أسير الاعتبارات الأمنية بالدرجة الأولى، وهي اعتبارات جدية مع تعرض الكثير من الصحافيين العراقيين والعرب والدوليين للاختطاف والقتل. وإذا كان أول مسببات الخوف الإعلامي الانقسام الداخلي والتهديدات الأمنية الكبرى التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق، فإن ثاني المسببات هو تعثر نشوء إعلام عراقي مستقل وارتباك الإعلام العربي والدولي الوافد إلى بلد يحمل تاريخا ثقيلا وواقعا لا يقل وطأة. في الأعوام التي أعقبت سقوط صدام حسين تلمس الإعلام طريقه في بلد لم يعتَد الانفتاح على الداخل وعلى العالم بالشكل الذي باتت عليه الأمور في عصر التواصل..

في الأسابيع الأخيرة بدا من الصعب على المتلقي العربي تحديدا مقاومة هذا الكم من الصور والأخبار الهائلة والمتفاوتة الوافدة يوميا من العراق، والتي تراوحت من أخبار سياسية وأمنية إلى حملات دعائية ومفارقات، منها الطريف ومنها الثقيل، إلى يوميات عراقية بهمومها وأفراحها، وهي عاديات حياة لم يسبق أن تكشفت على هذا النحو المباشر والصريح، جعلت الكثير منا يشعر أن ذاك العراق لم يعد بعيدا ولا غريبا عنا..

فجأة، وكأن ذاك السياج الحديدي الذي كان يطوق العراق والعراقيين على مدى عقود بدأنا نشعر فعلا اليوم أنه قد بدأ بالزوال. لم يسقط صدام حسين وحكم البعث البارحة، لكن يبدو أن الانفتاح العراقي على الإعلام قد بدأ يأخذ طريقه ولم يعد متعثرا على غرار الأداء الذي غلب في السنوات الأخيرة.

لا شك أن الانتخابات العراقية الأخيرة وهي خامس تجربة انتخابات يخوضها العراقيون منذ عام 2003 قد ساهمت في تقديم مشهد عراقي مختلف وأكثر حيوية وقربا من الواقع. ولا شك أن الإعلام العراقي والعربي والدولي وإن بتفاوت قد جهد لتقديم مادة غير تقليدية عن العراق.. صحيح أن الاعتبارات السياسية الداخلية والإقليمية وأهمية الانتخابات العراقية هي عامل ودافع لاهتمام الإعلام، لكن الجديد في المشهد العراقي لم يكن على العراق فحسب، إنما جديد على المنطقة كلها.

فالعراق الذي انتهكته الطموحات الإقليمية والدولية عاد وصفع هذه الطموحات بمشهده يقترع. كانت أشبه بلحظة تأسيس لا تبدو نتائج الانتخابات مهمة أمامها.

diana@ asharqalawsat.com