أيهما أقسى

TT

أرجوك أن تجرب حل هذه الأحجية المؤلفة من خمسة أحرف: لبنان. وإنني أطلب ذلك من جنابك، لا كسلا مني ولا تطفلا عليك، بل لأنني حاولت منذ 50 عاما على الأقل. ولا جدوى ولا أمل. تخيل أن معدل النمو العام الماضي كان أعلى منه في الصين. بلد يقرأ صحفه ويسمع نشرات الأخبار ويتابع تصريحات سياسية، وبدل أن يشعر بأنها علامات الساعة، يحقق نموا يقارب 10%. بلد يتضارب فيه السياسيون بكلام يشبه النعال، أكرمك الله، ومع ذلك يتدافع العالم أجمع على ملء مصارفه بالودائع. بلد كل كلمة سياسية تقال تكفي لتدمير ألف بلد، ومع ذلك يبني غازي العريضي الطرقات والجسور كأننا في سويسرا أو في أميركا الثلاثينات. وبلد توزع فيه كلمات التيئيس بالمرشات كل يوم، ومع ذلك لا تجد مقعدا على «الميدل إيست» التي عادت إلى سابق عزها، تنافس 95% على الأقل من شركات الطيران في العالم العربي.

بلد يحدثه أهله وجيرانه ودول المنطقة ودول العالم، كل يوم، عن الحرب التي مضت والحرب التي سوف تأتي، ومع ذلك ترتفع فيه المباني وترتفع أسعار العقارات، مائة في المائة، خلال عام. كيف؟ لا أدري. أنا أتوسلك أن تحاول جنابك الإجابة، لأنني شخصيا لا أدري ولا أفهم ولا أفقه ولا أعلم. أنا مثلك حائر ومدهوش. وكل عمري كنت كذلك. بلد ثنائي. مزدوج. مضاعف. بلد في قلب الحياة وعلى حافة الخطر. يائس ويغني. حزين ويضحك. ضعيف ويكد. ضئيل ومتفاخر. فيه قانون وليس فيه حكم. نهاره متعب وليله طرب. فقره كثير وبذخه أكثر. سلطته غائبة وأمنه موجود. وتفضل حلها إذا كان في إمكانك أن تحلها.

لو كنت مواطنا لأي بلد آخر في العالم، وأصغيت إلى نشرة الأخبار ثلاث مرات متتالية، لفكرت بعدها بالانتحار. لكن اللبناني يسمع نشرات الأخبار ويذهب إلى السهرة. ويقرأ الكلام «السياسي» المليء بأسماء الحيوانات والتعابير المليئة بالأحذية، ثم يذهب إلى المسابح لكي يتشمس.

ما هو نوع الفيتامينات التي يتناولها. لا أدري. بأي جدران مطاطة يضرب رأسه، لا أدري. كيف يستطيع أن يسمع فيروز في سيارته وهو محاط بأقبح أخلاق وأوسخ سيارات، لا أدري. كل ما أعرفه أن لدى هذا المخلوق طاقة هائلة على الاحتمال. احتمال نفسه واحتمال سواه. ولا أعرف أيهما، أحيانا، أصعب من الأخرى.