أيتها البقرة العزيزة: شكرا!

TT

لم أعرف كيف أحجز غرفة في لندن.. أو شقة صغيرة. حاولت عن طريق سفارتنا. قالوا إنهم لا يعرفون إلا الفنادق الكبرى. وكانت الأحوال المالية لا تسمح. وأخيرا اتصلت بصديقي المرحوم الطيب صالح: في عرضك، في طولك. قال لي: الغرفة جاهزة. ليست غرفة إنما شقة كاملة. شكرته. وسألت عن العنوان. أعطاني العنوان وشكرته. وطلبني ووجدته يضحك من قلبه. أما الذي أضحكه فهو أنه أراد أن يطفش من البيت وأنه سوف يترك لي شقته. وأخيرا وجدت الشقة. في ميدان تاليوت..

وصلت الطائرة عند منتصف الليل. استقبلتني لندن بما لا أستحقه من المطر والبرد والهواء الموجع. وبدأت أعطس، ويبدو أن السائق الهندي أفزعه العطس والسعال. فأخفيت أنفي في منديلي. ووصلنا إلى ميدان تاليوت ونسيت رقم البيت. ولا يوجد شباك واحد مضيء في أي مكان. فالناس نيام. حاولت أن أتذكر. كل الذي أذكره أرقام تاريخ ميلادي وميلاد أمي والعقاد وطه حسين ومارلين مونرو والفيلسوف الوجودي سارتر..

ولا أعرف مَن هذا السخيف الذي يلعب في مخي ولا عن الشيطان الذي ضللني ودفع بي إلى جهنم الجليدية دون جريمة ودون حساب..

ونظرت إلى البيوت أتوسل، أستجدى. يا رب الدنيا برد.. يا رب إذا كان اليوم هو آخر يوم في حياتي. لا اعتراض على حكمك.. بس أرجو يا رب أن أموت في جو دافئ. ويا رب إذا كنت سوف أدخل النار لألف سبب فليكن ذلك الآن. ولكن لأني أحب سوف تجعل النار بردا وسلاما كما كانت على سيدنا إبراهيم. يا رب.؟!

وجاءت مشيئة الله أكبر. لقد رأيت عددا من الحلل في إحدى النوافذ. قلت: هذا مصري. مؤكد مصري. فليست عنده ثلاجة. وبمنتهى اليقين ذهبت إلى الباب وضغطت الجرس وجاءني: أيوه مين؟ قلت: أنا فلان. وكان الصوت: أهلا حبيبي يا مرحب.

وكان هذا هو البيت. أما الحلل التي في النافذة فلأنه يذهب إلى محلات الجزارة ويجمع الكبدة التي لا تأكلها أوروبا كلها. ويأكلها المصريون..

ألف شكر لك أيتها البقرة. لولا كبدك لكان موتي في الزمهرير. وأيها المصريون لا تكفّوا عن أكل الكبدة الممنوعة طبيا في كل الدنيا!