الأكراد يحكمون بغداد

TT

كان حلم الأكراد في السابق أن يحكموا إقليمهم كردستان. أن يتركوا أحرارا بعد سنين من تسلط نظام صدام الذي حرم عليهم ملابسهم ولغتهم وثقافتهم. وكان حلمهم في أربيل والسليمانية، وأن يبنوا جدارا مثل سور الصين العظيم يفصل بينهم وبين تخوم بقية العراق العربي.

في إطار النظام البرلماني تغيرت اللعبة، فالأقلية قد تصبح لاعبا أساسيا، وهذا ما حدث في الانتخابات الماضية في عام 2005، ليس بسبب غلبة الصوت الكردي الذي لا يزيد على عشرين في المائة من أصوات العراق، بل بسبب صوته شبه الموحد في وجه الأغلبية الشيعية المنقسمة على نفسها، والسنة المقاطعين احتجاجا.

لم يتخيل الأكراد من قبل أن يكونوا اللاعب الأهم في السوق السياسية العراقية. وها هم، للمرة الثانية، مرشحون للعب دور صانع الملوك في بغداد، إذا استمر الأكراد موحدين في ولائهم لحلف الحزبين الرئيسيين. لكن الأكراد مثل الشيعة يبدو أنهم ينظرون لصوتهم على أنه لا يعطى مجانا فقط للطائفة أو العرق، بل يمنح لمن يعدهم ببرنامج انتخابي أفضل. لقد انتهى صدام وقوض نظامه، وأعدم الرجل ولم يعد قضية، بل الوظيفة والمعيشة وسرير المستشفى ومدرسة الابن والبنت، هذا ما يهم الكردي والشيعي من كل من يرشح نفسه للبرلمان.

في المرة السابقة عقدت الانتخابات في وقت سياسي داخلي قلق، وكان الصوت يعبر عن موقف تاريخي أيضا. بتحالفهم مع حزب الدعوة رجح الأكراد كفة حزب الدعوة، وصار الدكتور نوري المالكي رئيسا للوزراء. من جديد يقف الأكراد اليوم في ساحة الحسم، في يدهم ورقة تحدد صاحب الحظ برئاسة الوزراء، سواء كان المالكي مرة ثانية أو غيره. عمليا إن جاءت أصوات الأكراد شبه موحدة تحت تحالف الحزبين الرئيسيين، سيكونون هم من يحسم مصير الحكم في العراق للسنوات الأربع المقبلة، وبذلك تكون المعادلة السياسية العراقية موزونة من جوانبها المختلفة، لأن فيها قوى حقيقية متنافسة، دينية شيعية وسنية، وقوى مدنية وطنية وعرقية. وبالتالي ليست الأغلبية العددية الشيعية معضلة كما كان يزعم بعض السنة، ولا العراقيون العرب مهيمنين على كل الدولة، كما كان يخاف الأكراد والتركمان، كأقليات عرقية. تطورت العملية إلى حزبية سياسية، ولعبة انتخابية تقوم على معادلة رياضية هدفها تحقيق الأغلبية، نصف مقاعد البرلمان زائدا واحدا.

وحتى الأكراد، صناع الحكم، يشعرون اليوم بالقلق لأول مرة، ليس من العرب أو الطائفية، بل من التمرد الفكري داخل البيت الكردي بظهور معارضة داخل كردستان تريد كسر احتكار الحزبين لأصواتهم. ولو افترضنا أن هذا ما ستظهره النتائج الانتخابية بعد أيام، فإن العراقيين عمليا أصبحوا عراقيين بالممارسة لا مجرد شعارات وطنية. كل يختار بناء على ما يرى فيه مصلحته كمواطن لا مجرد خروف في قطيع يسير وراء الطائفة أو العشيرة.

[email protected]