يتجسسون علينا بفلوسنا!

TT

انبهر العرب كثيرا بما رأوه من تفاصيل دقيقة على الشاشات في العملية التي كشفت عنها شرطة دبي بخصوص اغتيال القائد العملياتي في حركة حماس السيد محمود المبحوح وحجم التفاصيل التي عرضتها الشاشات العربية مرارا وتكرارا. ولكن ما عرض هو سلاح ذو حدين، فالنظام الأمني الذي كشف العملية بالصور لم يصنع في دبي، ولكنه نظام ركبته إحدى الشركات الأمنية العالمية. وما العملية سوى إعلان كبير للشركة التي تدير مثل هذا النظام الأمني التصويري الدقيق، بهدف بيع هذا النظام إلى دول عربية أخرى. ليس هذا فقط، ولكن ستأتي لنا شركات أخرى، عميلة لدول أخرى ستقول لنا إن ما حدث في دبي هو بسيط بالنسبة لما يقدمه جهازها الجديد، الذي لا يسجل ما حدث في الماضي، ولكن يمكنه أن يتوقع حدوثه، وهذا هو الجديد في السوق.

ولكن قبل أن تستعجل يا «أبو العربي»، وتدفع أموالك من أجل شراء هذا النظام الدقيق، اسأل نفسك: هل من يستطيع أن يتابع هذه المعلومات بهذه الدقة، يجعلها خاصة بك فقط وحصريا؟ أم إنه يشارك المعلومات هذه مع دول أخرى؟ وهل هذه العملية قد كشف عنها بغرض تسويق أجهزة التصوير؟ أم إن ما حدث هو ضمن كفاءة نظام خاص يخص دولة بعينها.

عالم التخابر والجاسوسية «رايح جاي»، أي إن من يستطيع أن يصور لك، فهو أيضا يصور لغيرك. كما أن في هذا النظام المعلوماتي، هناك ما يسمى بـ«المينتيننس» (أي إصلاح الأعطال وتجديد الشبكات، إلخ.. إلخ). فهل هذا ما تقوم به دبي بنفسها ولنفسها؟ أم إن الشركة أو الدولة التي وراء هذه الأجهزة هي التي تصلح وتعيد التشغيل؟ ترى أين تذهب المعلومات في فترة الصيانة، وكل هذه الساعات من التصوير الإلكتروني؟ ومن يحللها ولمصلحة من؟

معروف لدى كل من درس ألف باء الأمن القومي، والأمن المدني، أن معظم شركات الـ«سوفت وير» تصنع جزءا كبيرا من نظامها في حيفا بإسرائيل، وتجمع في أماكن مختلفة في أميركا وأوروبا والهند، حتى لا تكتشف حقيقة الأمور. والذي صمم الـ«سوفت وير» قادر على اختراقه، وكذلك قادر على مشاركة المعلومات فيه. ولكن السذج بيننا يظنون أن هذه العملية التي حدثت في دبي، هي من اختراع وتصميم قادة شرطة دبي. هذا ليس صحيحا، من دون التقليل من دور شرطة دبي وكفاءة من يعملون فيها، ولكن كما أن هذه الصور إنجاز، هي كذلك طعم، مثل الذي يطعم للسمك، حتى يقترب من السنارة أو يدخل الشباك، أو تقع الفريسة في الفخ.

نعرف أنه في كل صفقات التسليح العربية، سواء كانت في حالة الطائرات الأميركية المقاتلة، أو طائرات الأواكس، كانت هناك أجهزة منزوعة من تلك الطائرات، لأنه من غير المسموح مشاركة هذا النوع من التكنولوجيا مع دول يرى الغرب أنها ليست محل ثقة، بينما الطائرات ذاتها تمنح لإسرائيل بكامل أجهزتها.

النقطة الرئيسية هنا هو أن ما رأيناه في دبي، ليس كله إنجازا لنا، بل عبء علينا. لأن جزءا كبيرا منه هو طعم بهدف تعميم هذا النوع من الأجهزة الأمنية في العالم العربي، بحيث تكون كل شاردة وواردة في العالم العربي تحت أعين مصمم هذه الأجهزة والـ«سوفت وير» تتشارك فيه شركات ودول. ولكن الفارق هو أن عمليات التجسس اليوم، لم يعد يصرف عليها أصحابها من مصنعي هذه الأجهزة، ولكن يبيعونها لنا، لندفع تكلفة التجسس علينا من جيوبنا، أي إننا طواعية نصرف أموالا على أجهزة لم نصنعها نحن وتستخدم ضدنا، إنه التجسس الاختياري، وبرغبتنا، وبأموالنا.

في الوقت التي تحدث فيه تلك الخروقات الأمنية، يغرق العرب في مواويل من على شاشات الفضائيات. يتحدثون عن القبض على جاسوس أو عميل، إلى آخر الكلام الساذج الذي يمارسه نجوم التلفزيون في بلداننا. يتحدثون عن صيد سمك صغير، بينما السمك الكبير يمر أمام أعينهم ولا يعلمون. هذا ليس تشكيكا فيما رأيناه في دبي على غرار الكتب التي قالت إن «11 سبتمبر» لم يحدث أو لم تقم به «القاعدة». ولكن ما أقوله هنا هو أن من يستخدم جهازا لك، يستخدمه ضدك. لأن شراء هذه الأجهزة ليس كشراء بندقية أو نوع من أنواع الـ«هارد وير». هذا أمر يخص عالم الـ«سوفت وير»، وهو عالم ما زال جديدا علينا. نستورده، ولا نعرف كيف يعمل؟ أو يعمل لمصلحة من؟ فهل لنا أن ندير حوارا جادا عن التجسس علينا بأموالنا من خلال «سوفت وير» الأمن الذي سيصبح موضة في الدول العربية بعد حملة الإعلانات المجانية التي صاحبت ما حدث في دبي؟