ماذا إذا فشلت المفاوضات غير المباشرة؟!

TT

رغم خلافاتهم الكثيرة ورغم أن بعضهم يصنف نفسه على معسكر «المقاومة» وبعضهم الآخر يصنفهم الآخرون على ما يسمى معسكر «الاعتدال» فإن أعضاء لجنة المتابعة العربية قد اتفقوا على شيء واحد، ووافقهم الفلسطينيون على هذا، وهو أن إسرائيل في عهد هذه الحكومة المتطرفة، التي عنوانها بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان ومعهما هذا التحالف الذي يتمسك بكل ما في التاريخ من خرافات لم تكن في أي يوم من الأيام واقعا وحقيقة لا على الأرض ولا في السماء، لا تريد السلام ولا هي في وارده وتسعى لتحويل أنظار العالم عن القضية الفلسطينية وأزمة الشرق الأوسط إلى حرب مع إيران أو عليها بحجة تنامي القدرات النووية الإيرانية واقترابها من إمكانية الاستخدام للأغراض العسكرية.

كل أعضاء لجنة المتابعة العربية قد خيَّطوا بهذه المسلة، ولكنهم أجمعوا على ضرورة الاستجابة للرغبة الأميركية والذهاب إلى نهاية النفق المظلم وإعطاء فرصة لهذه المحاولة على أمل أن تشرب واشنطن «حليب السباع» وأن يأخذ باراك أوباما ذلك الموقف الذي اتخذه بيل كلينتون في عام 1999 ردا على عبثية بنيامين نتنياهو بحياكة تحالف شمل الفلسطينيين وبعض التيارات الإسرائيلية المعتدلة وأسقط حكومة هذا الرجل الذي يدير توجهاته السياسية، وفقا لأفكار والده المريضة والبائسة والتي صاغها تعبيرا عن التزام الابن بما أراده الأب في كتابه الذي حمل عنوان «مكان تحت الشمس» والذي أصبح دستورا لعتاة اليمين الإسرائيلي المتطرف.

وحقيقة أنه لو حتى أن محمود عباس (أبو مازن) لم يبلغ أعضاء هذه اللجنة بما وصله من الإدارة الأميركية ردا على عشرة أسئلة (صعبة) كان وجهها إليها فإن وزراء الخارجية العرب الثلاثة عشر، باستثناء وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي جاء إلى القاهرة متأثرا ببعض أسرار القمة الدمشقية الثلاثية كانوا قد حزموا أمورهم وحسموها مسبقا قبل مجيئهم إلى العاصمة المصرية وقرروا «الذهاب مع العيَّار إلى بار الدَّار» والاستجابة للرغبة الأميركية.

كانت كل أسئلة (أبو مازن) العشرة التي طلب إجابة مسبقة عنها من الإدارة الأميركية تدور حول المسألتين الرئيسيتين؛ مسألة وقف الاستيطان ومسألة مرجعية المفاوضات وجاء الجواب أن هذه المرجعية هي خارطة الطريق التي تتضمن نصا صريحا وواضحا على أن حدود الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة هي حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 وأن الولايات المتحدة سترفض رفضا قاطعا فكرة الدولة (الفلسطينية) ذات الحدود المؤقتة. ويقال، والعلم عند الله، أن الأميركيين تعهدوا أيضا «سرا» بأنْ لا استيطان أثناء هذه المفاوضات الـ«عن قرب» حتى وإن اتخذت حكومة بنيامين نتنياهو المزيد من القرارات الاستعراضية والاستفزازية.

والسؤال الذي يطرح نفسه بعد أن حصل ما حصل واستجاب العرب كلهم، باستثناء سورية التي لها طريقتها الخاصة في التعاطي مع مثل هذه الأمور، للرغبة الأميركية ومنحوا (أبو مازن) الغطاء الذي أراده للذهاب إلى المفاوضات «عن قرب» دون خشيته من أن يتعرض إلى ما كان تعرض له في «همروجة» تقرير غولدستون هو: بما أن الفشل يبدو حتميا ومن غير الممكن تجنبه في ظل كل هذا التصلب الإسرائيلي، فما هي الخطوة اللاحقة بعد الأربعة شهور التي أعطتها لجنة المتابعة كمهلة للمفاوضات غير المباشرة والتي من المقرر أن تبدأ فور عودة جورج ميتشل في زيارته المقبلة التي هي الزيارة الثانية عشرة إلى هذه المنطقة..؟!.

وردا على هذا السؤال فإن المعروف أن استجابة اللجنة الرباعية إلى الرغبة الأميركية قد جاءت مقرونة بالتأكيد على أنه إذا فشلت هذه المفاوضات فإن العرب سيتخلون عن وساطة الولايات المتحدة وأنهم سيستبدلون بهذا الوسيط «النزيه!!» اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي والاحتكام إليه بالاستناد إلى قراراته المتعددة بالنسبة لقضية الشرق الأوسط وأهمها القراران الرئيسيان أي القرار 242 والقرار 338 وهذا بالإضافة إلى قرارات محكمة العدل الدولية التي نصت على عدم شرعية الاستيطان وعدم شرعية ما يسمى «جدار الفصل العنصري» الذي كان باشر ببنائه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون المعلق الآن من رموشه بين الحياة والموت.

وهكذا فإن ما يجب أن يضعه العرب في اعتبارهم منذ الآن حتى قبل أن تبدأ مهلة الشهور الأربعة أنه لا يمكن الرهان على الإدارة الأميركية حتى لو صح ما يتردد بأنها وعدت بعدم اللجوء إلى حق النقض (الفيتو) في حال فشلت المفاوضات غير المباشرة واحتكم العرب لمجلس الأمن الدولي، فالرئيس باراك أوباما في وضع داخلي لا يحسد عليه وقوى الضغط اليهودية في أميركا لا تزال تتمتع بأنياب حادة، ثم إن الولايات المتحدة عودت الدول العربية على أنها إذا كان لا بد من الانحياز في النهاية لأحد طرفي الصراع في الشرق الأوسط فإن انحيازها هو إلى جانب إسرائيل ظالمة أو مظلومة والتي هي ظالمة حتى بوجودها فوق وطن الشعب الفلسطيني.

إن الفشل يبدو محتما رغم التصريحات التي أطلقها نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن وهو في طريقه إلى المنطقة والتي وعد فيها بأن الولايات المتحدة سترافق هذه المفاوضات عن قرب وأنها ستبذل جهودا حقيقية وفعلية لإنجاح هذه المفاوضات، فالمعروف أن إسرائيل من قبيل التحدي والاستفزاز بادرت حتى قبل أن يتلاشى صدى هذه التصريحات إلى الإعلان عن نيتها في بناء 112 وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية وأن بنيامين نتنياهو لم يتراجع ولو بمقدار قيد أنملة، كما يقال، عن مواقفه وسياساته الاستفزازية والتصعيدية.

ثم إن المعروف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد بادر منذ أن بدأت «حكاية» المفاوضات «عن قرب» إلى استفزاز الفلسطينيين ودفعهم دفعا إلى رفض أي مفاوضات، لا مباشرة ولا غير مباشرة، لإظهارهم على أنهم «ضياعو فرصٍ» وأنهم يتحدثون عن السلام، ولكنهم في حقيقة الأمر لا يريدونه، والدليل هو افتعال بنيامين نتنياهو لمسألة ضم الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم وافتعال مواجهات المسجد الأقصى الأخيرة.

وهنا فإن ما يعزز الاعتقاد بأن هذا الموقف الحازم الذي قد يتخذه الأميركيون هو ذلك الطلب الذي تضمنته تساؤلات (أبو مازن) العشرة الآنفة الذكر والقائل بأنه على أميركا في حال فشل المفاوضات أن تبلغ مجلس الأمن الدولي وتبلغ العالم بأن إسرائيل هي التي تتحمل مسؤولية هذا الفشل وأنه على المجتمع الدولي أن يتخذ الأمر بيده وأن يتخذ قرارا بإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 وأن يفرض هذا القرار على الإسرائيليين بالقوة.

فهل سيحصل هذا فعلا..؟!

إن الأيام قادمة وإن كل شيء ستكشفه هذه الأيام القادمة، ويبقى أنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن إسرائيل قد تلجأ إلى الهجوم المتوقع على إيران كي تتخلص من كل هذه الاستحقاقات وكي توجد معادلة إقليمية جديدة غير هذه المعادلة القائمة حاليا في الشرق الأوسط التي جوهرها الصراع العربي – الإسرائيلي والقضية الفلسطينية.