ملامح الحكومة العراقية الجديدة.. ودور الكرد فيها

TT

انتهت الانتخابات البرلمانية العراقية بمباركات عالمية متسارعة وتشككات داخلية حول النزاهة والخروقات الجزئية التي تداركت عملية التصويت وسط دوي التفجيرات التي هزت العاصمة في اليوم الأول. هذا في حين لا تزال الخريطة السياسية القادمة للحكومة الجديدة غامضة رغم تقارب دولة القانون برئاسة المالكي والائتلاف الوطني برئاسة عمار الحكيم مع قائمة التحالف الكردستاني وتبادلهم الإشارات الإيحائية.

يأتي الرسم الجديد للحكومة القادمة في بغداد وسط الطموح الكبير للعرب السنة لتسنم رئاسة الجمهورية وإعادة هذا المنصب السيادي إلى الحضن السني كما صرح طارق الهاشمي. لكن الطموح السياسي مرهون بالاستحقاقات الانتخابية والاتفاقات الجديدة لرسم ملامح الإدارة الجديدة، لأن الثقل السياسي والانتخابي هو الذي يلعب الدور الرئيسي لتقسيم المناصب السيادية، ما يعني أن رئاسة البرلمان لدورته الجديدة ستبقى على ما يبدو كما هي الآن منصبا سنيا رغم التحالفات المناقضة لتسنم الكرد هذا المنصب. الجدير بالانتباه أن كتلة «دولة القانون والائتلاف» وكتلا برلمانية أخرى قد أعلنت قبل بدء عملية الانتخابات أن جلال طالباني هو مرشحهم الأول والأخير. يأتي هذا الإعلان المسبق بناء على الدور الحاسم الذي لعبه الرئيس طالباني والبرلمانيون الكرد إبان السنوات الأربع المنصرمة، بينما كان العراق يواجه أياما دموية كادت تتحول إلى حرب أهلية شاملة بين الطوائف والمذاهب العراقية.

يشعر الشيعة في العراق دوما بأنهم يستوطنون جزيرة محاطة بالبحار وبأمواج شاسعة، شعور ينتابه خوف من العودة بهم إلى أيام ركنتهم سنين كثيرة واستبعدتهم عن إدارة السلطة السياسية في بلد يشكلون فيه الأغلبية. لذا لا يرى الشيعة في العراق غير الحليف الاستراتيجي الذي يجمعهم معه هموم مشتركة وهو الكرد الذين ظلوا يواجهون الحكومات العراقية السابقة حتى كتابة الدستور وتدوين الحقوق المدنية التي تسوّيهم بالعرب في الدرجات الأولى للمواطنة في العراق!

شعور الشيعة من الموجات المحيطة والتخوف الدائم من اتساع جغرافية السنة السياسية، يضع الكرد والتحالف الكردستاني الحاصل على أكثر من ستين مقعدا في الدورة القادمة للبرلمان، حسب بعض التخمينات، على رأس القائمة المفتوحة للتحالفات التي سوف يعقدونها لتشكيل الحكومة. لكن لا بد أن نتذكر بأن لكلا الجانبين الشيعي والكردي مطالب بل وشروطا مسبقة قبل الدخول في أي عملية تفاوضية لرسم خارطة العلاقات السياسية القادمة وولادة الحكومة الجديدة من دون الحاجة إلى أي عمليات جراحية قد تفقدهم قدرة السيطرة على النزيف الذي ربما يصاب به الجرح الحكومي!

المطالب الكردية سوف تتجه إلى الملفات العالقة بين أربيل وبغداد خصوصا تطبيق المادة 140 الخاصة بتطبيع مدينة كركوك وصلاحية استخراج النفط معا حسب الحقوق الممنوحة في الدستور للأقاليم. وتأتي هذه المطالب في وقت والقوائم الكردية في مدينة كركوك استقطبت الغالبية الساحقة من الأصوات في الجغرافية المتنازع عليها، الأمر الذي قد يسهل عملية البتّ في تنفيذ خارطة الحل الدستوري لهذه المعضلة.

ومن جانب آخر تسنُّم طالباني - أو أي كردي آخر - منصب رئاسة الجمهورية يعطي للملفات الساخنة والعالقة بين أربيل وبغداد حظا أوفر لتنفيذها، لأن الرئيس الجديد للجمهورية يستطيع أن يعطي توصياته حول المناطق المتنازع عليها دون العودة إلى البرلمان أو دون تعرضه لنقض آخر من قِبل نائبه. وتأتي هذه التوصيات بمثابة أوامر للسلطة التنفيذية لطي الملفات ذات الخلاف والبدء بإعادة التعمير السياسي والعمراني وحتى الديموغرافي في العراق. وبالعودة إلى دور السنة وحصول القائمة العراقية على المرتبة الثانية بعد «دولة القانون»، قد يُلاحَظ أن حظهم بات محبوسا هذه المرة أيضا في البرلمان وتشكيل جبهة المعارضة، هذا في حال رفضهم المشاركة في الحكومة ذات القاعدة العريضة وحكومة المصالحة الوطنية. لكن رغم ذلك فقد يُستبعد كثيرا - بل من المستحيل! - تنازل الكرد عن حقوقهم الدستورية وعن المواد الخاصة بالمناطق المتنازع عليها، وهذه مطالب جوهرية بالنسبة إلى السنة في العراق الذين يشترطون تعديلات دستورية بل وإلغاء النظام الاتحادي والأقاليم في العراق، والتعامل مع المحافظات العراقية بشكل متساوٍ.

هذا الإلحاح السني يتوافق جزئيا مع قائمة المالكي التي تسعى لتقوية دور العاصمة والمركز والتقليل من صلاحيات الأقاليم والمحافظات. لكن هذا لا يعني أن المالكي سوف يعزل الكرد ليتحالف مع القائمة العراقية، لأن نقاط الخلاف بينهما (أي بين المالكي و«العراقية») أكثر بكثير من نقاط الاتفاق، لأن موقف العرب السنة يتوقف على توزيع الصلاحيات الحصرية للحكومة المركزية القادمة، ولأن استبعاد الكرد انتحار لأي حكومة عراقية قادمة!

من هذه الزاوية فقط يتضح لنا الملامح الجديدة للحكومة القادمة بأنها سوف تكون حكومة دولة القانون والتحالف الكردستاني وبمشاركة عمار الحكيم، وقد يشارك العرب السنة غير البعثيين في حقائب وزارية، وقد يتركز دور وجهود قائمة عمار الحكيم في السنوات الأربع القادمة على تشكيل الإقليم الجنوبي في البصرة، الأمر الذي تؤيده وتشجعه قائمة التحالف الكردستاني.

* كاتب سياسي

من كردستان العراق