الخليج العربي في الأجندة الإيرانية

TT

خطوات إيرانية متسارعة لتكوين الذات المستقلة في المحيط الإقليمي الخليجي، خطوات شملت البناء السياسي المستقل، والقدرة العسكرية الذاتية «بحرا وجوا وبرا» بجانب تقنية نووية متعددة المجالات «مدنية وعسكرية» مع استقلال في القرار السياسي، والبناء الاستراتيجي لعلاقات إيران الدولية، تحدث الكثيرون عن علاقات وتعاون استخباراتي ثلاثي «إيراني، إسرائيلي، أميركي» في مواجهة الواقع السني في العراق وتهيئة العراق لمرحلة النفوذ الإيراني مع عملية واسعة للتغيير الديموغرافي في الجنوب، وفي الشمال نفوذ إسرائيلي متزامن مع مخطط نقل اليهود الأكراد من إسرائيل إلى مدينة الموصل ومحافظة نينوى «وفق تقرير الصحافي الأميركي وين ماديسن» وأنهم بدأوا شراء الأراضي في المنطقة التي يعتبرونها ملكية يهودية تاريخية، تمهيدا لاستيطان إسرائيلي تدريجي على غرار الثلاثينات والأربعينات اليهودية في فلسطين، إضافة إلى التعاون الثلاثي لتفتيت العمق الديني السني/ الطالباني في أفغانستان، ومنطقة القبائل الباكستانية تحت دعوى «القضاء على طالبان باكستان» مع الحديث عن أن الولايات المتحدة قدمت لإيران خدمة استراتيجية «مدروسة» بفك الخناق السني عن خاصرة إيران شرقا وغربا «بإسقاط نظامي طالبان أفغانستان وصدام حسين»، وبعودة مباشرة لتقرير نظرة إيران إلى نفسها، فإن إيران ترى أنها دولة فارسية معلقة بين منطقتين «عربية وتركية» جعلتها حلقة نشاز في محيطها الإقليمي، فهي لا تنتمي للمنطقة العربية، وليست جزءا من الكومنولث السوفياتي السابق، فهي دولة فارسية حتى بالنسبة لجيرانها في آسيا الوسطى «باستثناء العرق الطاجيكي» هذا التوحش الإقليمي جعلت منه إيران مبررا لرسم استراتيجياتها بشكل مستقل، ولكنه في ذات الوقت متناغم في حقيقته مع أسرار التوجهات الأميركية في المنطقة وإن كانت تخالفها في شكلها الظاهري/ الإعلامي... هذا ملخص لقراءة الواقع السياسي الإيراني وقد يختلف عليها الكثير!! ولكن الكثير من المحللين يتفقون على أن لإيران أجندة خاصة تجاه الخليج العربي.

وهنا يبرز التساؤل الكبير للحديث عن: موقع إيران في الأجندة الخليجية، وموقع الخليج العربي في الأجندة الإيرانية، والأخير أقرب للواقعية نظرا للحراك السياسي والعسكري الإيراني.

بداية: جمهورية إيران/ كيان فارسي في نشأته وتكوينه وثقافته وتوجهاته، وهو كيان مبني على أنقاض تاريخ كسرى «دولة فارس» مرورا بالدولة الصفوية، ومنذ تاريخ العرب القديم «قبل الإسلام وبدايات الإسلام قبل نهوض دولته في المدينة» كان العرب يميلون للروم/ دولة قيصر، فالأولى دولة وثنية مجوسية، والثانية دولة مسيحية، أهل كتاب، وسورة في القرآن تحمل هذا المعنى «سورة الروم»، حيث تنزلت مجاراة لتتبع المسلمين في بداية الإسلام لحرب فارس والروم، وجاء خبر القرآن «قبل وصول أخبار الحرب» بغلبة فارس على الروم، فحزن المسلمون لذلك، ولكن الله أخبرهم بمستقبل غلبة الروم على فارس « الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ»، ونذكر وعد النبي «صلى الله عليه وسلم» لسراقة بن مالك بسواري كسرى إن هو رجع ولم يخبر قريشا «لما لحق بالنبي وأبي بكر وهما في طريق الهجرة إلى المدينة»، وفي خلافة عمر بن الخطاب عندما أسقط ملك كسرى نادى عمرُ سراقةَ وألبسه سواري كسرى «تحقيقا لوعد النبي صلى الله عليه وسلم» فتقرير هذه الحقيقة التاريخية القرآنية يساعد في فهم التسلسل التاريخي لدولة فارس، حيث بقيت الضغينة والرغبة في الانتقام في قلوب الفرس على المسلمين العرب وبخاصة عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» حتى طعنه أبو لؤلؤة المجوسي بخنجر مسموم وهو يصلي الفجر، وجعلت إيران المعاصرة لهذا المجوسي مزارا وتحتفل به سنويا في عيد خاص!! تقديرا له على قتله عمر، وإيران وقادتها السياسيون والدينيون لا يخفون كرههم وسبهم لعمر رضي الله عنه، وبين ذلك التاريخ وإيران المعاصرة جاءت الدولة الصفوية التي نخرت في جسد الأمة الإسلامية ولم يحفظ لها التاريخ سهما واحدا في نصرة الإسلام، بل كانت سببا رئيسا في ضعف وسقوط الخلافة الإسلامية.

وفي المقابل فإيران المعاصرة منذ ثورة الخميني/ 1979م، لم تتوقف عن استفزاز جيرانها «دول العالم الإسلامي» ومن ذلك: «أقامت إيران معسكرات لتدريب الأرمن في حربهم مع أذربيجان، ونشر الطائفية والتغيير الديموغرافي في العراق، واحتلالها لجزر الإمارات، ودعاوى زعمائها أن دولة البحرين جزء منها، وتأليبها لطوائف الشيعة في السعودية وعموم الخليج، وآخرها زرع التجمع الحوثي في شمال اليمن لزعزعة الجنوب السعودي»، في حين أنها في حالة سلام واقعي تام مع خصم العالم الإسلامي «إسرائيل»! فإيران في تاريخها وواقعها دولة فارسية وثنية، تلبست بالإسلام «شكلا وظاهرا، دعاية وإعلاما» في مرحلة إعادة بناء الإمبراطورية الفارسية بشكل معاصر، وقد وصلت في هذا الاتجاه إلى مراحل متقدمة في البناء الذاتي، وتهيئة الأوضاع المحيطة للسيطرة الإقليمية ابتداء بالعراق «ومناصفة مع إسرائيل»، ودخلت إيران مرحلة من العلنية في كشف توجهها الفارسي «حتى مع الشيعة العرب»، فهي تقدم بشكل مرحلي التوجه الفارسي بديلا عن التوجه الإسلامي الذي كانت تستخدمه سابقا وفقا لمتطلبات تلك المرحلة، ومن ذلك: «عمليات التفجير والاغتيالات المنظمة التي يقوم بها الشيعة الفرس ضد الشيعة العرب في العراق بعد تعاون المخابرات الإيرانية مع قوات الاحتلال في إبادة وإضعاف العرب السنة، عمليات التغيير الديموغرافي لتركيبة السكان في جنوب العراق بإدخال العنصر الفارسي حتى تحدث وزير الخارجية الإيرانية السابق بأنهم يسمعون في العراق ستة أصوات فارسية من كل عشرة أصوات عراقية!! وعلق رئيس الوزراء العراقي السابق/ علاوي، على الأوضاع الأمنية (بعد زيارته التفقدية للجنوب) بأنه لم يفهم شيئا، لأن كل القيادات الأمنية يتكلمون الفارسية!! حتى الدورة الرياضية الثانية للتضامن الإسلامي المقرر إقامتها في إيران ألغيت وتم تبديل مقر تنظيمها لإصرار إيران على استخدام تسميات ورموز فارسية كشعارات للدورة التي أسست من أجل تحقيق جانب من جوانب التضامن الإسلامي!!» هذه هي جمهورية إيران الإسلامية وتوجهاتها!!

مما يدعونا للتساؤل بكل وعي عن مستقبل الخليج العربي في أجندة إيران النووية. إيران التي ترى أن الخليج العربي خليج فارسي، ومنطقة نفوذ وعمق استراتيجي إيراني!! والسعي الإيراني العلني أحيانا للسيطرة على المنطقة من خلال تطويق الجزيرة العربية بحزام شيعي «شمالا وجنوبا» ففي الشمال نجد الامتداد الإيراني في جنوب العراق وجنوب لبنان، وفي الجنوب خلق التجمع الحوثي في شمال اليمن وجهود إيران الحثيثة لاحتواء جزر القمر، بجانب الكثير من البؤر الشيعية التي أوجدتها إيران في عدد من المناطق العربية لدعم التوجهات الإيرانية، وتزامن ذلك مع الترحيب الإيراني بالهوس القذافي لإعادة الدولة الفاطمية الشيعية، وهذا يفسر جانبا من التعاون الإيراني - الليبي في دعم الحوثيين.

وأخيرا وفي المقابل: كيف هي إيران في الأجندة الخليجية؟ وهل لدول الخليج من خلال منظومة مجلس التعاون استراتيجية تجاه إيران؟ ولا أعني المواقف السياسية تجاه الأحداث الطارئة، وإنما استراتيجيات العمل والبناء في مقابل المستقبل الإيراني الذي بدأ يتشكل ويرى النور.

والحاجة إلى تكثيف الجهود الخليجية/ العربية متعددة الاتجاهات «سياسية، وأمنية، وعلمية وتثقيفية»، ومن ذلك: القيام بدراسات تتبعية دقيقة للتحركات الإيرانية وتحالفاتها السرية بشأن المنطقة، وتأسيس مراكز بحوث خاصة بالملف الإيراني، تشارك فيها أقسام العلوم السياسية والعلاقات الدولية والإعلام، وتقدم هذه المراكز تقارير دورية شاملة، منها ما يوجه لصنَّاع القرار الخليجي، ومنها ما ينشر في الإعلام لتحفيز الساحتين السياسية والثقافية وإشعارها بالخطر الإيراني.

وضع استراتيجيات عمل «معلنة» على المستويات كافة، مدعومة بسخاء لخلق أجواء من العمل الجاد والمنتظم في مواجهة المد الشيعي الفارسي.

وضع أطلس «تاريخي وجغرافي» خاص بمجلس التعاون لدول الخليج العربية، للتأكيد على عروبة الخليج «بره وبحره وجزره» يتم تداوله مع المؤسسات العلمية والثقافية والمنظمات الدولية، يصدر بعدة لغات.

إن التحرك الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية تجاه إيران قد يلبي جانبا من المصالح الغربية، ولكن ليس بالضرورة محققا لمصلحة الأمن الوطني الخليجي، فالعقوبات السابقة التي فرضها المجتمع الدولي على إيران لم تحد من قدرة إيران على تطوير قدراتها العسكرية والنووية، ولم تمنع إيران من مسلسل خلق الأزمات الداخلية في الدول الإقليمية، ولم تحد من نشاط إيران في التغلغل في مناطق الصراعات، وحتى العقوبات الجديدة التي تسعى الدول الغربية لفرضها على إيران لن تلقى التأييد الدولي الكافي لاحتمال إضرارها بالشعب الإيراني وعدم تقييدها للحكومة الإيرانية، ثم إن إيران أوجدت لنفسها منافذ كثيرة للحد من تأثير أي عقوبات مرتقبة.. وبالتالي فإن ما يهمنا في منطقة الخليج، إن كانت العقوبات المرتقبة ستحقق الهدف الأمني والاستقرار الذي تنشده دول الخليج أم لا. وبالتأكيد فالعقوبات لن تتجاوز حد تسجيل الموقف الدولي تجاه إيران، وستظل إيران تسير في خطها العدائي التوسعي، وفرض إرادتها وسيطرتها على شؤون المنطقة، وهذا ما صرح به المسؤولون الإيرانيون.

* مستشار إعلامي وباحث في الشؤون السياسية