طاولة حوار «سياسي»

TT

حوار الرئيس اللبناني، ميشال سليمان، مع «الشرق الأوسط» في الرياض، كان مناسبة مواتية لجلاء موقف لبنان من أبرز القضايا السياسية التي تشغل الساحتين الداخلية والإقليمية، وفي مقدمتها ما اتفق على تسميته بـ«الاستراتيجية الدفاعية» الأنسب للبنان.

عرض الرئيس اللبناني لرؤيته لهذه الاستراتيجية عشية انعقاد طاولة الحوار الوطني بشأنها يتخذ أهمية خاصة، ليس لصدوره عن رئيس البلاد فحسب، بل عن رئيس يملك خلفية عسكرية تخوله تحديد أولويات هذه الاستراتيجية وتجربة سياسية عززت قناعته بأن لبنان، كما قال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، نقطة «تقاطع للسياسات والمرجعيات».

على خلفية هذه «الحالة اللبنانية» المزمنة طرح الرئيس سليمان رؤيته للاستراتيجية الدفاعية المطلوبة للبنان انطلاقا من أولويات محض عسكرية فاعتبر أن «عمل المقاومة يبدأ بعد الاحتلال أو في حال عجز الجيش عن القيام بواجبه أو تراجعه تحت ضغط العدو أو طلب المؤازرة من المقاومة».

تحديد الرئيس سليمان بدء عمل المقاومة في ما «بعد» الاحتلال أو «في حال» عجز الجيش عن القيام بواجباته الدفاعية يكشف قناعتين في مفهومه لاستراتيجية لبنان الدفاعية، أولاهما أن مسؤولية الدفاع عن الوطن يتحملها جيشه الشرعي قبل أي جهة أخرى - إن لم يكن فوق أي جهة أخرى - وثانيهما أن مؤازرة المقاومة للجيش مشروطة بالتطورات الميدانية كـ«عجز الجيش عن القيام بواجبه أو تراجعه تحت ضغط العدو».. ولأن مؤازرة هذه المقاومة غير مستبعدة في نظر الرئيس سليمان فذلك يعني أنها مدعوة «للتنسيق» مع الجيش في إطار الأولويات العسكرية التي حددها، مما يعني، استطرادا، أن مطالبة حزب الله بتسليم سلاحه للدولة «مؤجلة» في أحسن الحالات.

ربما كان الدافع الآخر لحرص الرئيس سليمان على التنسيق الدفاعي مع المقاومة امتلاكها لقدرات نارية لا تتوفر، حاليا، للجيش اللبناني. ولكن توضيحه بأن «مؤازرة» المقاومة ستكون مطلوبة في حال استوجبتها التطورات العسكرية تعني أن عامل المبادرة في أي تحرك عسكري يعود إلى الجيش الشرعي.. ما يسمح باستنتاج أن قرار الحرب والسلم هو حق حصري للدولة، وإن كان الرئيس سليمان لم يتطرق إلى موضوعه مباشرة.

مع ذلك، يبقى السيناريو العسكري مرهونا بالمعطيات الميدانية وتحديدا بعدم تجاوز أي عدوان إسرائيلي على لبنان نطاق المواجهة الثنائية بين الجانبين. ولأن هذا الأمر لا ترجحه التحالفات الإقليمية القائمة في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، ولا استراتيجية التركيز المتزايد في المنطقة، على «حرب الصواريخ»، ما يوحي بأن تطورات الحرب، في حال وقوعها، ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات.

في هذا السياق يبدو مبرَّرا طلب بعض القوى السياسية في لبنان إشراك الجامعة العربية في مناقشات طاولة الحوار لكون المواجهة مع إسرائيل مواجهة عربية - إسرائيلية بقدر ما هي لبنانية - إسرائيلية.

ورغم أن القرار العسكري، بمعناه التقني، شأن مصيري لبناني - عربي لا علاقة لطاولة الحوار به إلا من زاوية «المؤازرة» الممكنة لسلاح المقاومة في أي مواجهة محتملة مع إسرائيل، فإن أهمية انعقاد مؤتمر الحوار اللبناني، بشكله المقترح، تنحصر في مضمونه السياسي لا العسكري، و تحديدا في إتاحته الفرصة «الوطنية» لكل فرقاء الحوار للتوصل إلى توافق سياسي على ما هو في الواقع «تحصيل حاصل» في أي دولة حديثة: حصر قرار الحرب والسلم بيد «مؤسسة الدولة» وحدها، وترك مهمة وضع مخططات الطوارئ السرية للإخصائيين والخبراء في الشأن العسكري، خصوصا في ظل الاحتمال المتزايد لتحول أي عدوان إسرائيلي جديد على لبنان إلى مواجهة إقليمية شاملة، كما تلوّح بذلك سورية وإيران.