مشكلة الفقاعة الاقتصادية للصين

TT

تذكرني الحماسة المتقدة، التي أعرب عنها الكثير من المحللين بشأن الاقتصاد الصيني، بمستضيف العرض الفني المتنوع القديم، لورنس ويلك، الذي كان يتخلص من القلق كل أسبوع بالأصوات المهدئة المنبعثة من عرضه الموسيقي المشهور «صانعي موسيقى الشمبانيا».

ينبغي لمراقبي الصين أن يغلقوا الموسيقى، وينصتوا إلى ما قاله رئيس الوزراء الصيني، ون جيا باو، الذي كان صريحا على نحو مفاجئ في التحذير من أن الإفراط في الاستثمار وضعف الطلب المحلي يؤديان إلى فقاعة اقتصادية في بلاده.

كان ون قد حذر في مؤتمر صحافي في شهر مارس (آذار) عام 2007 في البرلمان قائلا: «المشكلة الكبرى في الاقتصاد الصيني هي أن النمو غير مستقر وغير متوازن وغير منسق وغير مستدام». وكان لهذا التصريح تأثير مماثل لتأثير المخاوف التي أبداها ألان غرينسبان، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي السابق، عام 1996 بشأن «النشاط غير العقلاني» لسوق الأسهم.

وخلال الأسبوع الماضي، أعرب ون مجددا عن مخاوفه أمام المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني (البرلمان)، حيث قال: «إننا لا نزال نواجه وضعا معقدا للغاية»، نظرا إلى الخطرين الحاليين، اللذين يتمثلان في النمو السريع في الداخل والكساد العالمي في الخارج. وأشار إلى «الارتفاع المتهور» في أسعار العقارات في بعض المدن الصينية، وقال إنه نظرا إلى خطر الإفراط في الاستثمار «فيجب أن تتم السيطرة بشدة على إقامة مشروعات جديدة».

يعد صعود الصين من المعجزات اللعينة للتاريخ الاقتصادي الحديث. بيد أن القادة الصينيين يعرفون أنهم لا يستطيعون إلغاء قوانين الجاذبية الاقتصادية. فكما لاحظ الخبير الاقتصادي، هربرت ستاين، قبل عقود «إذا كان شيء ما غير مستدام، فإن ذلك يعني أن هذا الشيء لن يستمر»، وينطبق ذلك بالتأكيد على النمو غير المتوازن والقائم على الصادرات الذي عزز من صعود الصين.

ويقول روبرت زوليك، رئيس البنك الدولي، في مقال سينشر في صحيفة «إنترناشونال إكونومي»: «يعد اعتماد الصين على النمو القائم على الصادرات.. نموا غير مستدام على مر الزمن». وذكر زوليك تحليلا صدر مؤخرا عن صندوق النقد الدولي يقول إنه يتحتم على الصين، لكي تحافظ على معدل النمو السنوي بها، الذي يبلغ 8 في المائة في ظل النمط الحالي من التجارة، أن تضاعف نصيبها من الصادرات العالمية بحلول عام 2020، وذلك لن يحدث.

وعليه، فإن القضية لا تتمثل في: هل سيتغير الاقتصاد الصيني أم لا، ولكن في كيفية هذا التغير. تقول النظرة المتفائلة إن القادة الصينيين سيبطئون من استثماراتهم والازدهار في الائتمان، وفي الوقت نفسه سيتحولون إلى الاقتصاد القائم على المستهلك، الذي لا يعتمد كثيرا على الصادرات.

يعد نطاق النمو الصيني كبيرا للغاية، لدرجة أنه يستطيع أن يجعل المحللين متسرعين للغاية، حيث تجعلك مجموعة من 15 حقيقة عن الصين، نشرها الموقع الإلكتروني «بيزنيس إنسايدر»، متحمسا، لأنه «بحلول عام 2025، ستبني الصين عشر مدن بحجم مدينة نيويورك»، إن ذلك رؤية لآلة صرف نقود دائمة.

المشكلة التي تكمن في هذه التوقعات هي أنه لا يمكن الاعتماد عليها على الإطلاق في التنبؤ بالمستقبل. فلنستذكر التوقعات بشأن الاتحاد السوفياتي في ستينات القرن الماضي ،أو بشأن اليابان في التسعينات.

وأكثر التحليلات المفضلة لدي فيما يتعلق باقتصادات الفقاعة هي التحليلات التي قدمها ديفيد إم سميك، الذي تنبأ بالفوضى المالية في الولايات المتحدة في كتابه: «العالم منحنٍ». يشير سميك إلى بعض الإحصائيات المقلقة، التي تقول إنه حتى اندلاع الأزمة المالية العالمية، كانت الصادرات الصينية تشكل 43 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بها. وللتعويض عن الطلب المنهار في الخارج بعد اندلاع الكساد عام 2009، أطلقت الصين برنامجا للإقراض والمحفزات الاقتصادية قيمته 1.8 تريليون دولار، أي ما يصل إلى 38 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بها. وكان من المفترض أن تصل هذه الأموال إلى المستهلك، لكن حسب تقديرات سميك، ذهب 85 في المائة من القروض المدعومة إلى الشركات والبنوك المملوكة للدولة، مما يجعل فقاعة الاستثمار أكثر سوءا.

يقول المتحمسون للصين إنه لا داعي للقلق، حيث إن دولة تمتلك احتياطيات نقد أجنبي تتجاوز قيمتها تريليوني دولار ليست في حاجة إلى أن تشعر بالقلق بشأن مشكلات الديون. لكن هذه الاحتياطيات، ومعظمها بالدولار الأميركي، ليست تماما هي شبكة الأمان التي يتخيلها البعض، نظرا إلى أن الصين ليس في مقدورها تحويل هذه الاحتياطيات إلى سيولة نقدية من دون إلحاق الأضرار البالغة بنفسها، وذلك حسبما ذكر الخبير الاقتصادي مايكل بيتيس في مدونته «الأسواق المالية الصينية».

تواجه الصين مشكلة أكبر تتعلق بالقروض المشكوك في تحصيلها في ميزانيتها المحلية. يشير سميك إلى أن 1.2 تريليون دولار من حزمة المحفزات الاقتصادية الصينية العام الماضي كان في صورة قروض حسنة ومدعومة. وكان فيكتو شيه، الأستاذ في جامعة نورثويسترن، يجمع معلومات حول الاقتراض القذر وغير المسجل من جانب شركات الاستثمار المحلية، الذي من الممكن أن يصل، حسب تقديرات سميك، إلى 1.7 تريليون دولار، أو نحو 34 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الصين.

والحقيقة المطمئنة حول الصين هي أن قادة البلاد يستوعبون المشكلة ويحاولون إيقافها، لكن ببطء شديد. ولمن يتذكر مشكلة فائض القدرة الإنتاجية التي تعانيها الصين، التي تتمثل في تجاوز الإنتاج للطلب، فعليه التفكير في أن الصين لديها قدرة إنتاجية في صناعة الصلب كافية لتلبية احتياجات الولايات المتحدة وروسيا واليابان وأوروبا مجتمعة.

وبالنسبة إلى دولة اعتادت على النمو القائم على الصادرات، فلن يكون من السهل عليها التحول إلى اقتصاد مستدام. أما بالنسبة إلى الذين يفترضون أن الصين دائمة التوسع لا محالة ستحل محل أميركا لتكون القوة الاقتصادية العظمى في العالم، فعليهم أن يلقوا نظرة فاحصة على الأرقام.

*خدمة «واشنطن بوست»