لا تأخذ الحكمة من أفواه هؤلاء!

TT

قررت مجموعة من الضفادع القيام بمسابقة لتسلق أحد الأبراج الشاهقة، وكان التحدي بينهم على أشده فيمن يستطيع بلوغ قمة ذلك البرج الكبير. وبينما هم كذلك، كانت الحشود المجتمعة من الضفادع تتهكم عليهم وتتندر، لأنهم كانوا على يقين أن أحدا من المتسابقين لن يستطع تحقيق هذا الحلم بعيد المنال.

وبدأ السباق، فانطلقت الضفادع تتسلق بسرعة كبيرة نحو الهدف، في حين تتعالى الصيحات التهكمية من جمهور الضفادع، مرددين بصوت واحد: «مستحيل.. مستحيل»، وهي عبارة استهجانية، لتثبيطهم. في أثناء ذلك، بدأت الضفادع تسقط الواحد تلو الآخر، من شدة الإعياء، وعدم مقدرة كثير منهم على مواصل الصعود نحو القمة، في حين واصلت مجموعة أخرى التسلق بهمة وحماسة، ولكنهم أيضا سرعان ما تساقطوا تباعا بسبب إرهاقهم وتأثرهم بصيحات المتشائمين، ما عدا ضفدعا واحدا أبهر الجميع، حيث واصل التسلق بأقصى سرعة حتى بلغ قمة البرج، ففاز على الضفادع جميعها. ذهل جمهور المتشائمين، فاحتشدوا حول هذا الضفدع العجيب لمعرفة كيف نجح في تسلق قمة البرج، وجاءت المفاجأة أن الضفدع كان «أصم»، ولم يسمع تعليقات الجمهور المثبطة، فحقق هدفه بنجاح باهر، لأنه كان مدفوعا بعزيمته وإصراره!

مغزى هذه القصة، أن الاستماع إلى أفكار الآخرين التشاؤمية قد يثنينا عن المضي قدما نحو تحقيق ما نصبو إليه في حياتنا من أهدافنا الوظيفية أو الشخصية أو كليهما، فأفكار الناس السلبية قد تتماشى مع قدراتهم ومحدودية طموحاتهم، ولكنها لا تنطبق بالضرورة على قدراتنا وطموحاتنا ومؤهلاتنا العلمية وآمالنا الواسعة.

هناك حقيقة مهمة، وهي أن للكلمات قوة تأثير عظيمة، يمكن أن تدمر أو تثبط أي إنسان، مهما أوتي من قوة وحماسة، ولذلك يجب أن يختار المرء بعناية تامة من يستشيرهم، وألا يصغي إلى كل «من هب ودب»، وبخاصة إذا كان الأمر يتعلق بأهدافه وطموحاته المهمة، لأن ما نستمع إليه أو نقرأه يؤثر في أفعالنا وتصرفاتنا بصورة كبيرة، وربما يرسخ مع مرور الزمن في عقلنا الباطن. ولا بد للإنسان أن يحذر استشارة أو حتى كثرة مجالسة شخص عرفت عنه صفة التشاؤم واللوم والعتاب المستمر.

لذا، فهنيئا لمن لا يأخذ الحكمة إلا من أفواه المتفائلين، الذين لديهم تجربة حياتية محددة تستحق الاستشارة. وحري بنا ألا نعتمد فقط على ما يقوله «المتشائمون»، بل يجب أن نصم آذاننا عنهم أحيانا حينما يثبطوننا بقولهم: «لن نحقق طموحنا وأهدافنا» من دون إبداء أسباب منطقية كافية. ولو أن كل مبدع أو ناجح في مجاله آمن بما قاله له المثبطون، لما كان لدينا أناس يشار إليهم بالبنان في العمل وخارجه من المبدعين في كل مناحي الحياة. ولنتذكر دائما قول أبي القاسم الشابي:

ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبدا الدهر بين الحفر