كرة وشعر وثروة

TT

قال الشاعر اللبناني شوقي بزيع إن حال الشعراء حال وحال لاعبي كرة القدم أحسن الأحوال وأكثر الأموال. وشكا مما شكا منه الشعراء منذ اختراع لعبة الكرة؛ قدما وسلة وطاولة ومضربا. والحقيقة يصعب علي أن أفهم وجه المقارنة. فالشعر لعبة فردية محدودة الجمهور، محدودة الدخل، محدودة الإطار. والشعراء عبر العصور مساكين ذوو «أهل الهوى» و«أهل الضنى» و«مضناك جفاه مرقده». أما الرياضة فجماهير جماهير، مقابل ألف نسخة يبيعها الشاعر ويقتطع منها الناشر 80% يذهب إلى الملاعب مائة ألف مشاهد ومصفق ومشجع وهتاف، تحت المطر وفي الحر والقر. ومنذ أن كان نزار يجتذب آلاف السامعين، منهم من يطلع النوافذ ومنهم من يعتلي الشجر مثل قرود الفيليبين الذكية، لم نسمع أن شعرا تجمعت حوله 500 نسمة، بعكس مواويل نجوى كرم وحفلات نانسي عجرم ومباراة التصفية في الخرطوم بين مصر والجزائر ثم مباراة التصافي بينهما في أنغولا، حيث لم تشارك الشرطة في الهتاف للفريق الجزائري تأييدا لذكرى حلايب ووحدة وادي النيل. ولست أفهم ما الذي يغضب شعراءنا ولماذا يغضبهم، فالموقف من الشعر واحد حول العالم. وكذلك الموقف من «الكورة».

وبينما يمضي الشعراء العمر يبحثون عن الكلمات والمترادفات ويندبون حظوظهم ويأسفون لمصير الكرة الكبرى، يكفي مذيع المباريات أن يمط كلمة «يا سلام»، مع كل هدف، أو أن يضرب على صدره، بمعنى شق صدره، حفظك الله، مع كل عقوبة، والسلام على الأخطل الصغير الذي اختصر حال الضياع والالتياع بأجمل ما أنشد: يبكي ويضحك، لا حزنا ولا فرحا كعاشق خط سطرا في الهوى ومحا. يعيش أصدقاؤنا الشعراء في بيداء من الهواجس واليأس.. إذا ما أسوْا، علينا أن نأسى لهم.. وإذا عبثوا، أرادونا نفرح لهم.. وإذا برموا بالحياة، علينا أن نسارع إلى مواساتهم. أليسوا هم المؤنسون، يشدون لنا، ويبتكرون ويحلقون، وإذ يحلقون يتطلعون إلى أسفل؛ فماذا يرون؟ يرون لاعب كرة قدم يوقع عقدا لبيع طاقاته الأسفلية بالملايين؛ أورو، دولار، إسترليني. هل رأيت شعرا يدخل البورصة؟ طبعا لا. لكن مانشستر يونايتد على البورصة إلى جانب بنك «باركليز».

هل رأيت أمة تذهب إلى المطار لاستقبال شاعر، أو عشرة شعراء؟ لقد خرجت القاهرة إلى «الميناء الجوي»، لاستقبال كتيبة النصر الكروي. لماذا تصر مصر على «الميناء الجوي» بدل المطار؟ افتهم يا أستاذ طه؛ «ميناء» ليست كلمة عربية في أي حال؛ إيطالية الأصل (مارينا)، كما يفيد «محيط المحيط». والميناء للسفن لا الطائرات. وكان الله في عون الشعراء فإنهم لا يركلون