الانتخابات العراقية و«الخيارات المؤلمة»

TT

رسائل وتهانٍ كثيرة صدرت على مستوى رؤساء دول ومسؤولين دوليين ومحليين، تحدثت عن «نجاح الانتخابات العراقية»، حتى إن ممثل الأمم المتحدة في العراق دعا الأطراف المختلفة إلى قبول النتائج، كأنه يتحدث عن حالة تجري في دولة غربية لا تعرف التفرقة الطائفية والعرقية والتزوير والاختلاف في حقوق المواطنة، مهما أتت الانتخابات بنتائج! فما مقاييس النجاح التي اعتمدوها؟

فإذا أخذنا سير الانتخابات في العراق نصطدم بعمليات الاجتثاث الواسعة، ومع بدء التصويت تحولت مناطق آمنة معظمها موالية للقائمة الليبرالية في بغداد إلى مناطق مضروبة بنيران الصواريخ والهاونات لمنع المشاركة الواسعة، وسجلت مشاركة المهجرين في سورية والأردن ومصر أرقاما بائسة، فمن أصل نحو مليون ناخب صوّت نحو 71 ألفا فقط! فإذا كان ضَعف المشاركة دليل مقاطعة فلماذا؟ وإذا كان بسبب ترتيبات معقدة فُرضت من قِبل المفوضية فالحال أسوأ؟

ومع عدم وجود نقص في الأموال، يُفترض أن تكون الوسائل الإلكترونية كفيلة بعدم حصول تلاعب أو تأخير في ظهور النتائج. فلماذا التأخير؟ هل تعني نقاط الفشل غياب الثقة بعد أن شككت معظم الأطراف في النتائج؟

نتائج التصويت المعلنة، إن كانت صحيحة، أو غزاها التحريف، تثبت حاجة العراقيين إلى وقت طويل لتجاوز مرحلة المحاصصة «الطائفية» التي نعتها الجميع بأسوأ النعوت. لتعذر الوثوق بتطبيق مبادئ الديمقراطية الغربية في بلد صوتت فيه الطوائف لمرشحيها. والمستثنى الوحيد هو تصويت العرب السنة لقائمة تقودها شخصية وطنية شيعية، وقد لا تؤخذ قياسا حقيقيا.

عموما، لتؤخذ الأمور على علاتها والقبول بها. المالكي طالب بحكومة أغلبية سياسية. فهل يصح التوصيف عندما يتحدد معظمه بطائفة بعينها؟ وكيف يتحدد مصير الطائفة الأخرى؟ والمؤشرات تدل على أن الذين التحقوا بالمالكي من العرب السنة لم يحصلوا على أرقام تستحق التوقف، مما يفقدهم صفة تمثيل المناطق المحسوبين عليها.

مشكلات العراق التي تسببت في الكثير من أعمال العنف تكمن في عدد من النقاط، أهمها: غياب التوزيع العادل للثروات، فما حصلت عليه مناطق العرب السنة من مشروعات وتخصيصات مالية «لا وجود له» مقارنة بما خصص للمناطق الكردية، ولا يصل بأي حال إلى نسبة ضئيلة مما أنجز أو صرف في المحافظات الشيعية! والتذرع بمفهوم المناطق المتضررة من النظام السابق لا يتمتع بالمصداقية، فالكل متضررون. وبحكم نسب السكان، ماذا يستطيع فريق معارض داخل البرلمان أو مشارك هامشيا في الحكومة، العمل في حال مضت الأمور على ما كانت عليه خلال السنوات الأربع الأخيرة؟ وأخطر ما في التمثيل أن يتحول البرلماني إلى مجرد ساعٍ إلى الجاه والثروة على حساب مصلحة شريحته وشعبه! فهؤلاء أكثر خطورة من الفئويين والطائفيين.

الملف الأمني بيد الحكومة التي يهيمن عليها فريق من حزب الدعوة، وليس لرئيس الجمهورية ونائبيه القدرة على إطلاق سراح معتقل واحد، وقد كنت حاضرا جدلا بين الهاشمي ورئيس الوزراء حول هذا الموضوع، ولم يلق طلب الهاشمي استجابة ولو مجاملة. وحصة العرب السنة في الجيش أضعف من الضعيفة، وحتى من يوجد منهم في موقع قيادة معينة يشعر كأنه «أسير»، ولا أدري كيف قبلوا بذلك!

هذه ليست ديمقراطية، بل ممارسة ظلم وقهر. لذلك، لا بد من التغيير ووقف عمليات الاستفراد ووقف حكم الأكثرية إلى أن تتحول إلى أكثرية سياسية وفق المعايير الغربية. تضمن التوزيع العادل للثروات وفقا للصيغة المتبعة مع إقليم كردستان، وتتخلص مرافق الدولة من التمييز الطائفي والحزبي المبرقع. وتبدو المطالب غير قابلة للتنفيذ مع أنها عادلة 100%. ففي حال كهذه، على القائمة العراقية أن تصر على موقف ثابت غير قابل للمساومة على حساب الحقوق، مثلما أصر الكرد على مطالب وأخذوها «كاملة»، فهي ليست أقل شأنا من الكرد إن حافظت على تماسكها. وعليها المناورة ببراعة مع الائتلاف الوطني والكردستاني لتشكيل حكومة شراكة وطنية معهما.

بخلاف ذلك، فإن التكتل على حساب شريحة مؤثرة لها ثقلها التاريخي سيقودها إلى مراجعة الحسابات وفق خيارات مؤلمة، تستخدم كل السبل الديمقراطية المتاحة وفق القوانين والأعراف الدولية، وينبغي أن لا تُدفع هذه الشريحة إلى مثل هذه المواقف للمحافظة على هويتها ووجودها واستحقاقاتها في الشراكة الصادقة. وتقع على قوى الاعتدال في الائتلاف الوطني والتحالف الكردستاني مسؤولية عدم اتخاذ قرار يجمعهما مع طرف آخر فشل في برهنة التخلي عن نهجه الفئوي. فباتفاقهما والكتلة الليبرالية يمكن ضمان العدل، وعندئذ تربح قوى الخير. كما أتمنى على العراقية أن لا ترفع سقف مطالبها أعلى من الممكن في مناورات تشكيل الحكومة. وأقترح على العرب التقريب بين الائتلاف والعراقية. وبخلاف هذا، لنا حديث آخر في حينه.