لماذا ينبغي مقاطعة خطاب حالة الاتحاد؟

TT

من الواضح أن الطابع غير الناضج الذي بات مميزا على نحو متزايد لخطابات حالة الاتحاد التي يلقيها الرئيس، يوحي بالوضع الحقيقي للاتحاد، وبأن مثل هذه الخطابات لم تعد ضرورية، خاصة وأن الدستور ينص فقط على أن الرئيس «يعرض من حين لآخر على الكونغرس معلومات بشأن وضع الاتحاد». وعلى ما يبدو، بدأت ردود فعل تتنامى ضد هذه المناسبات التي أصبحت تثير شعورا بالحرج. على سبيل المثال، في خطاب ألقاه في ألاباما، قال رئيس المحكمة العليا، جون روبرتس، إنه بالنظر «إلى المدى الذي تدنت إليه» هذه المناسبة حيث أصبحت أشبه بـ«تجمع طلابي لإثارة الحماس»، فإنه «ليس متأكدا لماذا يتعين علينا حضورها؟»، وذلك في إشارة إلى قضاة المحكمة العليا.

وجاء هذا التعليق من قبل روبرتس ردا على سؤال حول الضجة التي ثارت حول خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه باراك أوباما في يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما انتقد أوباما ـ ووصف بفجاجة ـ قرارا صدر مؤخرا عن المحكمة العليا من شأنه التخفيف من القيود المفروضة على الخطاب السياسي. ولم ينسخ القرار «قرنا من القانون»، ولا سمح للشركات الأجنبية بتمويل مرشحين أميركيين. ومع ذلك، ثار غضب الحمير الديمقراطيين المحتشدين أمام أوباما وشرعوا في إطلاق أصوات نهيق متناغمة، بينما جلس القضاة الستة الذين حضروا عن المحكمة العليا في صمت. أما القاضي صمويل أليتو، في تصرف جاء بمثابة امتهان لعظمة الحاكم، فبدا وكأنه يتمتم: «غير صحيح» ردا على الأكاذيب التي يتفوه بها أوباما.

الملاحظ أيضا أنه عندما يطلق رؤساء جمهوريون مثل هذه الخطابات، يترنح المشرعون الجمهوريون كما لو كانوا دمى مشدودة إلى خيوط. ومع ذلك، يتعجب الكونغرس لماذا يعد مؤسسة طفولية.

في الواقع، يعود جزء كبير من اللوم عن السخافة المميزة لخطاب وضع الاتحاد إلى الرئيس المسؤول عن كثير من المشكلات، ووردو ويلسون. وجاء من بعده رئيس آخر اسمه الأوسط ويلسون زاد الأمر سوءا.

اعتاد جورج واشنطن تقديم تقريره عن حالة الاتحاد شخصيا، وكذلك كان الحال مع جون آدامز. لكن الرئيس الثالث، توماس جيفرسون، وضع أفكاره كتابة على الورق وأرسلها إلى الكونغرس. إلا أنه من المستحيل تخيل مثل هذا القدر من التحفظ الرئاسي في «عصر أوباما»، لكن الواضح أن جيفرسون كان يمقت صوته واعتبر أن وقوف رئيس السلطة التنفيذية أمام السلطة التشريعية وإلقاءه محاضرة عليها أمرا يليق بالأنظمة الملكية، وليس الجمهورية.

إلا أنه عام 1913، قدم ويلسون تقريره عن حالة الاتحاد شخصيا. وكانت لديه قناعة بأن الآباء المؤسسين كانوا حمقى بتقييدهم البلاد من خلال دستور يعج بضوابط وتوازنات جعلت الحكومة بطيئة الخطى أو ربما مصابة بالشلل. وعليه، فإن البلاد بحاجة إلى زعامة رئاسية كاريزمية تثير حماسة الرأي العام على نحو يجبر الكونغرس على الإذعان أمام إرادة الرئيس. رأى الآباء المؤسسون أن الحنكة السياسية لرجال الدولة ينبغي أن تعمل على كبح جماح الرأي العام، لكن النهج القيصري لويلسون رأى أن الرؤساء ينبغي أن يثيروا هذا المارد الخطير، بناء على اعتقاد ويلسون بأن بمقدوره السيطرة عليه. إلا أن الواقع لقنه درسا مغايرا لذلك عندما سعى للتصديق على «معاهدة فرساي».

من جهته، اعتبر جورج واشنطن الكونغرس «العجلة الأولى للحكومة، عجلة يمكنها نقل الحركة لباقي الأجزاء»، بينما رأى ويلسون أن مؤسسة الرئاسة هي الوحيدة القادرة على القيام بهذا الدور، بل وربما الوحيدة التي يحق لها ذلك.

وكان الكثير من المحافظين على قناعة بالمرتبة الأعلى التي يتمتع بها الكونغرس حتى وصول رونالد ويلسون ريغان لمقعد الرئاسة بمهاراته الخطابية المميزة للنهج الويلسوني. وكانت خطاباته حول حالة الاتحاد المكدسة بالزخارف البلاغية والمسرحية بداية إقرار حقبة رئاسية جديدة شهدت توافد رؤساء كانت لخطاباتهم القدرة على إثارة الجماهير.

وبذلك بات الإطناب واحدا من الصفات المميزة للرؤساء في العصر الحديث، مما قضى على الخط الفاصل المميز بين إطلاق خطب في إطار الحملات الانتخابية وإلقاء أخرى من منصب الرئاسة، وجعل منصب الرئيس في قلب الضمير الوطني. ومن شأن هذا الوضع إثارة شعور كاذب لدى الرؤساء بأنهم يملكون قدرة مطلقة، وجعل الأميركيين عرضة لخيبة أمل باستمرار ومتاعب سياسية.

بمقدورنا اتخاذ خطوة صغيرة نحو استعادة التوازن المؤسساتي من خلال اتباع النهج التفكيري لجيفرسون حيال خطابات وضع الاتحاد. جدير بالذكر أن القاضي أنتونين سكاليا امتنع عن حضور إلقاء مثل هذه الخطابات لأن القضاة «يجلسون هناك مثل الأصنام» في خضم ما يشبه حملة لحشد التأييد العام لحزب بعينه.

في العام المقبل، ينبغي أن يمتنع روبرتس وغيره من القضاة عن حضور خطاب الرئيس حول وضع الاتحاد، وكذلك أعضاء المؤسسة العسكرية، الذين يبدو حضورهم شاذا في مشهد يعج بالتنافس السياسي. وعليه، ينبغي أن يقاطع 535 مشرعا مثل هذه المناسبات المهينة. وسيقدمون على فعل ذلك حقا إذا ما كان بينهم عدد كاف من الأعضاء الناضجين الرافضين للتورط في نشاطات التصفيق والتهليل الطفولية أثناء إلقاء الخطاب، أو التزام مقاعدهم في صمت كأن على رؤوسهم الطير وعلى وجههم العبوس.

وفي حال رغبة أوباما أو أي رئيس معاصر ثرثار آخر إطلاع الكونغرس على أفكار بخصوص وضع الاتحاد بعيدا عن أضواء الخطابة، وهو أمر غير محتمل، فإن بإمكانه إرسالها بالبريد إلى الكونغرس. في الواقع، خدمة البريد بحاجة إلى هذا العمل.

* خدمة «واشنطن بوست»