نيران.. غير صديقة!

TT

يبدو أن أبوظبي عازمة وبمنتهى الجدية والقوة على أن تكون لاعبا ومركزا أساسيا على ساحة الإعلام الدولي، وأنها كما يبدو آخذة في سحب البساط من تحت جارتها، دبي. فبعد أن أقامت محطة الأخبار العالمية «سي إن إن» مركزا لها في أبوظبي ليكون مقرا لمركزها الشرق الأوسطي، أعلن روبرت مردوخ رئيس مجلس إدارة مجموعة «نيوزكوربريشن» الإعلامية في افتتاح قمة الإعلام بأبوظبي أن «أبوظبي ستكون قاعدة» لتوسيع نشاط مجموعته الإعلامي بالشرق الأوسط، وهو وضح أنه سينقل بعض قنواته الفضائية من هونغ كونغ إلى أبوظبي، حيث ستكون مقر عمليات فرع الدعاية في مجموعته لمنطقة الشرق الأوسط. وجاء هذا الخبر بعد الإعلان منذ أسبوعين عن استحواذ مجموعته في مجموعة «روتانا» الإعلامية و«الإعلان» عن شراء نسبة 9.09% بقيمة 70 مليون دولار أميركي.

وعلى الظاهر يبدو اهتمام الناس بهذه الصفقة بجوانب محددة كالأفلام والمسلسلات التي تقدمها بعض محطات مردوخ مثل «فوكس» و«ستار»، ولكن إمبراطورية مردوخ تحتوي على بعض العناصر التي عانت منها المنطقة مُر المعاناة. مردوخ هو المالك لمحطة «فوكس» الإخبارية، البوق الإخباري لجماعة المحافظين الجدد، التي لها كمّ هائل من المواقف ضد العالم العربي والمسلمين بشكل بعيد عن الموضوعية والإنصاف، (وهي مسألة يشكو منها لأسباب أخرى أطياف من المجتمع الأميركي نفسه). وهذه المحطة أطلقت منذ فترة محطة شقيقة هي «فوكس للأعمال»، تهتم وتعنى بأخبار الاقتصاد والأعمال وتتبنى مواقف «عنيفة» و«مؤدلجة» ضد الدول المنتجة للنفط، وخصوصا السعودية وإيران وفنزويلا تحديدا، ومردوخ يمتلك مجموعة من الصحف الكبرى التي لها مواقف عدائية وسلبية ضد العرب والمسلمين.. صحف مؤثرة وبالغة الأهمية مثل «الوول ستريت جورنال» و«التايمز» اللندنية و«النيويورك بوست»، وهذه الصحف ساعدت في تأجيج الرأي العام الدولي ضد المسلمين وساهمت في تكريس الصورة النمطية عن الإرهاب والإسلام، وخاض بعضها معارك فضائية ضد بعض رجال الأعمال السعوديين الذين تعرضوا لحملة من الادعاءات، والتي حسمت أخيرا لصالحهم. سيكون تحديا كبيرا بالنسبة للشركاء والجهات التشريعية في معرفة «حدود» التعامل مع مردوخ وترسانته الإعلامية وتحديدا الإخبارية منها، بين حدود حرية الرأي وضمانة الاستثمار بعدم التدخل في تحرير المواد وبين الخطاب السياسي الإعلامي المؤدلج، الذي بات أداة فعالة واضحة للترويج بحق أفكار سياسية وثقافية ودينية واضحة.

«انتقال» مردوخ ببعض قنواته من هونغ كونغ إلى أبوظبي ليس بالقرار البريء ولا هو بالقرار الاقتصادي البحت، ولكنه كان نتاج قيود وتحكم من قبل الجهات التشريعية بالصين التي كانت دوما تبدي التحفظ والاعتراض على ما ينشر ويطبع ويبث من قبل قنوات مردوخ، واعتبرت بعض المضامين المقدمة تهديدا لأمن الصين الوطني مما جعل مردوخ يرضخ لقبول بعض التدخلات في البث والمحتوى، ولذلك فهو يختار الآن أرضا أكثر ليونة وأقل حدة لتكون نقطة انطلاق لأرض بكر جديدة بلا ازدحام ولا ضجة منافسة ذات شأن. والخطوة اللاحقة ستكون «تعريب» المضمون، ولا أقصد الأفلام والمسلسلات ودبلجتها باللهجات العربية، ولكن في الخبر والبرامج الوثائقية. «هنا سيكون اللعب الحقيقي» كما قال أحد المتابعين في تحليله على تحرك مردوخ. تجربة المسلمين مع «فوكس» و«الوول ستريت جورنال» و«التايمز» تؤكد أنها وسائل غير موضوعية ولديهم نهج وآيديولوجيا، حريصون على ترويجها، وهم اليوم باتوا داخل الدار!

[email protected]