وزير.. بين «الرمضاء» و«النار»!

TT

حينما عين الدكتور عبد العزيز خوجه سفيرا للسعودية في لبنان خلال فترة تعد من أصعب الفترات في تاريخ ذلك البلد، أشفق عليه البعض من تحمل تلك المسؤولية، والتحرك وسط حقول الألغام، ولكن هذا الدبلوماسي - الناعم الخشن - تمكن أن يجسّر طريقه إلى كل الفرقاء، وباءت بالفشل بعض الأصوات السياسية والإعلامية المتشنجة التي سعت لنسف جسوره، فغادر بيروت - بعد انتهاء فترة عمله - مصحوبا بتقدير الجميع الذين احترموا أخلاقياته في توافقه واختلافه.

وحينما عين وزيرا للثقافة والإعلام خلفا لإياد مدني الوزير السابق، أشفق عليه البعض مرة أخرى من مسؤولية وزارة ليس سهلا أن ترضي تباينات المتلقين في شقها الإعلامي، أو تحقق التوازن بين توجهات المثقفين في شقها الثقافي، فقدر هذه الوزارة مع النقد، هو نفس قدر جحا، حينما ركب على الحمار، وترك ولده ماشيا لم يسلم من تجريح البعض، وحينما نزل عن الحمار وأركب ولده استنكر عليه البعض الآخر، وحينما أنزل ولده من فوق الحمار، وترك الحمار يمشي طليقا أمامهما اعترض عليه الجميع!.. فصاح فيهم جحا مطلقا حكمته الأبدية: «من يسلم من لسان الناس فلله دره».

لكن المتأمل لحركة الوزير عبد العزيز خوجه منذ تسلمه مهام هذه الوزارة حتى اللحظة، يمكنه أن يلحظ أن ثمة معادلة سحرية يمتلكها الرجل جعلته مقبولا من مختلف الأطراف، فالمثقفون اكتشفوا فيه المبدع الذي يشاطرهم هم الثقافة، ويشاركهم الحلم الجميل، والمتلقون - على اختلاف توجهاتهم - لوسائل الإعلام الرسمية: المسموعة والمرئية، وجدوا فيها من التنوع ما يحقق قدرا من الرضا، ويلامس اهتمام الجميع، فدبلوماسية الوزير أمدته في المجالين - الإعلامي والثقافي - برؤية متسعة قادرة على قياس المسافة بين الصبر والهدف.

لقد كان الوزير مساء الخميس الماضي في لقاء مع المئات من المثقفين والمبدعين على هامش معرض الرياض الدولي للكتاب، وتنقل في تعامله مع أسئلتهم بمهارة فائقة بين موقعين: موقع المسؤول، وموقع الشاعر والمثقف والفنان، ونجح في دعوة الجميع إلى دائرة المسؤولية المشتركة، باعتبار الثقافة مسؤولية المثقفين في الدرجة الأولى.

وباختصار: أشعر أن الخوجه على الرغم من انتقاله من أجواء لبنان إلى أجواء الإعلام، فإن المناخ الساخن ظل يلاحقه، فحرارة الإعلام مرتفعة دائما، وقد تنتقل من «الرمضاء» إلى «النار» إذا «صبت» عليها الثقافة!

[email protected]