الروليت العربي

TT

القمار أنواع، أكثرها ابتذالا القمار بلعب الدومينو، أو الطاولة، أو الورق على قارعة الطريق والمقاهي الرخيصة. هذا قمار التعبانين والمفلسين. المتمكنون، وحرامية المسؤولين، وتجار الوطنية يلعبون القمار حول عجلة الروليت، التي تديرها الحسناوات في الكازينوهات المرفهة والسخية في مونت كارلو ولاس فيغاس. هناك ترحب حسانها بالمليارديرات، الذين جاءوا بملايينهم المسروقة ليضعوها على الطاولة، ويخسروها في خمس دقائق. لا تسألهم البنوك أو السلطات الغربية، التي تدعي مكافحة الفساد، من أين جاءوا بها. إنها في آخر المطاف فلوسهم، دفعوها في شكل رشاوى وعمولات، فيرحبون بعودتها إليهم.

هذا هو الروليت الأمين. ولكن هناك الروليت غير الأمين، المعروف بالروليت الروسي. أدمنه الروس من الطماعين أو اليائسين. تلعب هذا القمار بمسدس، يضعون طلقة واحدة في بكرته، ثم يديرون البكرة بحيث لا تعرف أين أصبحت الطلقة. توجه الماسورة إلى صدغك، ويبدأ المقامرون بالمزايدة على حياتك. وعندما يرسو المبلغ تكبس على الزناد. إذا كانت الطلقة أمام الزناد فتنطلق.. «دُم» وتقتلك. إذا لم تكن، فلا يسمع المقامرون غير «تَك»، وتنجو بحياتك وتكسب مبلغ المقامرة.

هذا هو الروليت الروسي. ولكن يوجد أيضا الروليت العربي. عيبه أنه يستغرق وقتا طويلا، ولكن الوقت لا يعني شيئا عندنا. وتجري هذه اللعبة بأن تنظر حولك. ماذا هناك من الأحزاب والمنظمات الوطنية؟ تختار منها ما تتأمل منه الفوز، كما يفعل أي مقامر. تنتمي إليها، وتتبنى برامجها وتدافع عنها، وتقوم بما يطلبونه منك من اغتيالات وعمليات إرهابية ولا قانونية. لا يهم أن تؤمن أو لا تؤمن بمبادئها، أو تصدق أو لا تصدق بما يقوله أو يفعله زعماؤها. إنها لعبة روليت، ولاعب الروليت لا يسأل عن هوية المربعات والمثلثات التي أمامه. تثابر على ذلك وتنتظر. إن فاز الحزب بالحكم، فتصبح وزيرا وتغرف الملايين. إن خسر وقبضوا عليك، فمصيرك المشنقة أو السجن. هذا هو الروليت العربي.

هذا ما فعله صدام حسين مثلا. انتمى إلى البعث من دون أن يعبأ قط بأهدافه أو يفهم مبادئه. ولكنه أطاع الأوامر - قواعد اللعبة - فغامر بحياته في محاولة قتل عبد الكريم قاسم. فاز الحزب، فأصبح رئيسا للدولة، واستولى على كل ثروات البلاد. العيب الأبدي في القمار هو أن المقامر لا يعرف متى ينبغي له أن يتوقف ويأخذ ما كسبه وينصرف. هذا هو المطب الذي وقع فيه صدام. لم يكتف بالعراق فطمع في إيران والكويت والخليج. واصل عملية الروليت، فدارت عليه العجلة، وخسر كل شيء، وانتهى بالمشنقة. انقلب الروليت العربي إلى روليت روسي. وهو أيضا ما انتهى إليه بعض زملاؤه الذين واصلوا اللعب. ولكن غيرهم، كما نعلم، اكتفوا بما نالوه وتركوا الكازينو (العراق)، حاملين ملايينهم مما غنموه، وجلسوا في الأردن والخليج وأوروبا يتمتعون بمكاسبهم. بالنسبة إليهم كانت اللعبة لعبة رائعة.

هذا هو الروليت العربي. الكازينو مفتوح 24 ساعة. آلاف الناس يدخلونه ويخرجون منه كل يوم. هؤلاء الوطنجية والإسلامجية الذين يوجعون دماغنا على شاشات الفضائيات منهمكون بهذه الروليت. ولكنها لعبة تتطلب أعصابا قوية وقلوبا سالمة. ضعاف القلوب من أمثالي يكتفون بالدومينو في مقهى حسن عجمي.