هم يقررون

TT

لا أدري كم من الوقت سوف يستغرق محو جورج بوش ومرحلته وزمرته من ذاكرة أميركا وذاكرة العالم. لقد ترك خلفه إمبراطورية مفلسة، غارقة في الديون وفي الحروب. وتركت زمرته، من ديك تشيني إلى بول وولفوتز إلى دونالد رامسفيلد، صورا وبقعا من الفشل والأكاذيب والتوحش والفساد المالي الذي لا حدود له. ولن يحاول باراك أوباما فضح سلفه ولا محاكمته، لأن ذلك لا يليق.، غير أنه سوف يترك ذلك للتاريخ، وهو كفيل بأن يطلع الأميركيين على نوعية وطبائع الرجال الذين سلّموهم إدارة البلاد. وسوف يتذكر الأميركيون أنهم انتخبوا ضحالة جورج بوش بأكثرية ضئيلة، وربما مزورة، تجنبا لقسمة البلاد. أما الذي أعطاه التفويض المطلق وحوّله من رئيس هزيل إلى رجل يحكم في حالة حرب وطوارئ فلم يكن سوى أسامة بن لادن.

وبدل أن يدخل جورج بوش في مواجهة أو حرب مع الرجل الذي ضرب وأذلّ أهم مدن أميركا وفجّر جانبا من البنتاغون، ذهب إلى العراق يطارد خرافة الأسلحة النووية. وفيما كانت «القاعدة» تنمو في كل مكان كان يمعن تدميرا ودمارا في أرض العراق وتاريخ العراق. وما شهدناه من آثار الاحتلال الأميركي للعراق لن يكون شيئا يقارَن بما سيحدث عندما ينسحبون منه.

ليس من فرق في دول العالم بين الشعب والسياسيين كما هو في أميركا. شعب يحقق الإنجازات العمرانية والثقافية المذهلة وسياسيون يجولون العالم ومعهم المطارق والفؤوس. تمر فوق جسر واحد في أميركا فيخيَّل إليك أن لا مثيل له في العالم، ثم تكتشف أنها بلاد مليئة بالجسور. ومليئة بحقول الإنتاج. ومزدحمة بالمصانع. ومكتظة بالعقول التي تقدم للعالم آخر اختراعات الحداثة. ولا تزال دولة مثل اليابان، أو مثل الصين، تنقل أو تنسخ عما يبتدعه الأميركيون. ويعيش معظم الأميركيين بعيدا عن سياسات بلادهم الخارجية، في مجتمعات تغلب عليها الكفاية، رغم الأزمة الاقتصادية التي نشرت الفقر والإفلاس على نحو واضح. ويؤثر الإعلام السريع والمعلب في نفوس الناس. وهذا المجتمع الذي يتميز بجامعات لا مثيل لها في أي مكان من العالم، هو أيضا المجتمع الذي ينتج - أيضا بسرعة التعليب - ظاهرات فقاعية مثل السيدة سارة بالين. ويكرر إيصال أشخاص مثل رونالد ريغان إلى أعلى منصب في البلاد. وقد روى السناتور إدوارد كينيدي في مذكراته أنه غداة انتخاب ريغان سأله إذا كان ينوي القيام برحلات كثيرة فأجاب: «لا أدري. هم يقررون ماذا سأفعل». وعاد يسأله: «هل إذن تفضل أن يأتي الزوار إليك» فأجاب: «لا أدري. هم يقررون ماذا سأفعل». وعاد وطرح عليه سؤالا أخيرا: «ما برنامجك للأيام الأولى؟»، فأجاب: «لا أدري. هم يقررون ماذا سيكون».