بري وقبعة الطائفية

TT

يبدو أن القصة الملتهبة اليوم في بيروت هي مشاركة لبنان من عدمها في القمة العربية في ليبيا، حيث تواجه الحكومة اللبنانية معضلة إيجاد توازن ما بين رغبة المسؤولين اللبنانيين في عدم مقاطعة أي قمة عربية، والضغط الداخلي الداعي لمقاطعة القمة بسبب ملف مؤسس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام موسى الصدر، الذي تتهم طرابلس باختفائه خلال زيارة رسمية لليبيا عام 1978، وهو ما تنفيه السلطات الليبية، وبالطبع فإن من يقف خلف الدفع إلى مقاطعة قمة طرابلس في بيروت هو رئيس مجلس النواب اللبناني، وزعيم حركة أمل السيد نبيه بري، والمحسوبون عليه.

وهذه ليست القصة بالنسبة لنا، لأن هذا ليس بالأمر الجديد، بل هو موضوع كل حدث لبناني ذي صلة بليبيا، وإنما القصة هنا هي التهديد الصادر عن النائب هاني قبيسي المقرب من نبيه بري والذي لوح فيه إلى موقف شيعي حازم في حال شارك لبنان في قمة طرابلس قائلا «لا نريد العودة إلى الوراء لدفع الطائفة الشيعية لتهميش دورها السياسي، ولا نريد أن نوصل الأمور إلى ما كانت عليه أثناء الخلاف السياسي من تحييد للطائفة الشيعية عن المشاركة في الدور السياسي»، قاصداً بالطبع المقاطعة الشيعية للحكومة اللبنانية والتي انتهت باتفاق الدوحة، حيث يؤكد قبيسي «إننا لن نكون شركاء في أي نظام سياسي يشارك الرئيس الليبي معمر القذافي في عمل سياسي مشترك، من خلال القمة العربية أو أي نشاط آخر».

والسؤال هنا كيف يمكن فهم تصريح مثل تصريح نائب محسوب على زعيم حركة أمل أمام مشروع السيد نبيه بري المتمثل بإنشاء الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية في لبنان؟ فهل الطائفية قبعة يرتديها من يشاء لتحقيق مصالح، سواء انتخابية، أو خلافه؟ أمر فعلا محير، فإذا كانت حركة أمل تريد التذكير بقضية الإمام الصدر، فلا احتجاج على ذلك إطلاقاً، بل ولا انتقاص منه، لكن لا يمكن أن تبقى فزاعة الطائفية حاضرة في كل مناسبة؛ فتصريح النائب المحسوب على بري يعني أن حركة أمل تستخدم الطائفية كسلاح لتحقيق أهدافها، أو لابتزاز خصومها، فالطائفية حاضرة عند أي خلاف سياسي، أو أي منافسة على اقتسام الوظائف، أو حتى عند السعي لتعزيز موقف زعامي في دولة تقول إنها ديمقراطية، مثل لبنان.

والحق أنها ليست إشكالية السيد نبيه بري وحده في لبنان، بل حتى من يقدمون أنفسهم على أنهم علمانيون، وخير مثال هنا العماد ميشال عون الذي يتحدث عن أنه يمثل توجهاً علمانياً، ثم يظهر لنا في سورية ليحضر قداس عيد مار مارون، في مناكفة دينية - سياسية مسيحية واضحة. وبالطبع لن نغفل حزب الله الذي يمثل الوجه الأسوأ للطائفية، وعليه تكون تصريحات حركة أمل حول الموقف من قمة ليبيا دليلا قاطعا على أن مشروع السيد نبيه بري بإنشاء الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية ما هو إلا مشروع مناكفة، وغير قابل للتطبيق ليس في لبنان، بل حتى في ذهنية حركة أمل نفسها.

[email protected]