أبو الريش

TT

«من عاشر قوما أربعين يوما صار منهم». هذا هو المثل. والأمثال لها جاذبية ومصداقية. وهذا يعني أنك، شئت أم أبيت سوف تتأثر بحياة أقاربك وجيرانك وتتقبل ما يحبون وما يبغضون، يسرك ما يسرهم ويسيئك ما يسبب لهم الكدر.

ماذا يمكنك أن تفعل إذن إن اكتشفت أن شقة جيرانك ترتع فيها الدجاجات وتمرح؟ هل تغبطهم لأنهم يأكلون بيضا طازجا كل صباح؟ أم تشعر بالقلق خشية أن يكون رب الدار قد قرر أن يرسل عقله في إجازة طويلة؟ قبل أن تجيب على تلك الأسئلة أقول لك إنك لا تسكن عمارة قائمة وسط الحقول في منطقة ريفية. فأنت من سكان مدينة مثل سان فرانسيسكو أو نيويورك.

قرأت اليوم أن نيويورك هي المدينة الأميركية الأولى على قائمة المدن التي وقعت معاهدة صداقة مع الدجاج. أي من سكانها يمكنه تربية الدجاج فوق سطح البناية أو حتى في شرفة المسكن ما لم يزد عدد الدجاجات عن أربع، وما لم تسول له نفسه أن ينضم إلى الدجاجات ديك يملأ الدنيا صياحا كل صباح.

الحكاية بدأت بأميركي واحد اسمه روب لدلو أعجبته فكرة تربية الدجاج فاعتمدها ثم كتب عنها كتابا للمبتدئين ثم أنشأ موقعا على الإنترنت للغرض نفسه. إلى هنا والأمر يبدو طريفا وكان يمكن أن تتوقف الأمور عند هذا الحد. غير أن زوار الموقع الذين بلغ عددهم 43 ألفا يزيدون بمعدل 80 عضوا جديدا كل يوم. هؤلاء يجدون متعة ومنفعة في تبادل الخبرات بدءا بكيفية بناء عشش محكمة واقتصادية ومرورا بالعناية بصحة الدجاج.

ويصر لدلو على أن الدجاج مخلوق اجتماعي مسل يتفاعل مع البيئة والناس. هذا كله بالإضافة إلى أن الدجاج البيتي يضع بيضا قليل الكولسترول على عكس البيض الذي نشتريه من السوبر ماركت. كما أنه أكثر غنى بالفيتامينات من بيض الدجاج الذي يعيش في الأسر. فالدجاجة الحرة تبحث عن أفضل غذاء من الحبوب والحشائش أينما تجده بينما تأكل الأسيرة ما يقدم لها. وإن تحدثنا عن عنصر الجمال نجد أن دجاج المزارع إما أبيض الريش أو بني فاتح. بينما يمكنك أن تربي دجاجا ريشه ملون بألوان الطيف اعتمادا على السلالة التي تختارها.

يقول لك صاحب الفكرة إذا عزمت فتوجه إلى سوق الكتاكيت واشتر ما يعجبك شكلا وموضوعا لأنك ترى بعينيك لون الريش وملامح الوجه وشخصية الكتكوتة خاصة إذا كان عمرها أكثر من أسبوعين.

لا أنكر أن الفكرة أعجبتني إلى أن تذكرت إنفلونزا الطيور وعائلة الثعالب التي تسكن في خلفيات الحي الذي أسكنه ونظرة الخوف المرتعب التي اعتلت وجه الابنة المباركة حين قلت لها إنني أتمنى أن آكل بيضا طازجا من نتاج دجاجات نربيها في الحديقة الخلفية.. ولكني تذكرت ما قاله روب لدلو من أن أسرته لم تشتر بيضة واحدة منذ أربع سنوات لأن بيض الدجاجات الخمس الطازج الغني يكفيها. تعود الفكرة لتعشش في خيالي من جديد خاصة وأنا واقفة أمام رف البيض في السوبر ماركت أحاول جاهدة أن أفهم الفروق بين هذه البيضة وتلك بعد أن قطعت رحلة قوامها آلاف الأميال من كولومبيا إلى لندن. كم من الوقت استغرقت تلك الرحلة إلى أن وصلت إلى مكانها في السوبرماركت؟

يظل المعنى في قلب شاعر الدجاج المقيم على سطح بناية في قلب التفاحة نيويورك.