الانتخابات تضع مستقبل العراق في أيدي العراقيين

TT

العراق هو بلد يأبى الموت؛ فقد حاول صدام حسين القضاء على شعبه من خلال التعذيب والغازات السامة، ولكنه فشل. وأساءت أميركا بغطرسة إدارة السنوات الأولى من احتلاله حتى أوشكت البلاد على الدخول في حرب أهلية، ولكن العراقيين تماسكوا. وحاولت إيران القضاء على جارتها؛ من خلال اغتيال العراقيين الذين لا تحبهم، ورشوة السياسيين. ولكن على نحو ما، لم تنجُ الأمة العراقية فقط من تلك الكوارث، بل تمكنت من أن تصبح أكثر الديمقراطيات حرية في الشرق الأوسط.

ولا يجب أن ينظر إلى انتخابات يوم الأحد باعتبارها احتفالا بالنصر، على الأقل من قبل الولايات المتحدة؛ لأنها سوف تجلب المزيد من العنف والآلام، وسوف تأتي لحظات يتساءل فيها المحللون مرة أخرى إذا ما كان العراق سوف يتمكن من الحفاظ على وحدته. ولكن - على الأقل - أصبح العراق ملكا لشعبه الآن؛ وعلى الرغم من أن رجال السياسة بالعراق الجديد ماكرون ومتواطئون وربما يكونون في بعض الأحيان فاسدين، فإنهم على الأقل عراقيون، وربما يكون ذلك هو الشيء المهم الآن.

ويمكن رؤية قدرة العراق على التكيف مع الظروف الصعبة من خلال ثلاث لقطات للسني قاسم محمد فهداوي، محافظ الأنبار. فعندما التقيت به في الرمادي في ديسمبر (كانون الأول) كان يتحدث إلى وفد أميركي حول فرص الاستثمار في الأنبار مستعرضا ملحقا ذا ورق مصقول كانت «الفاينانشيال تايمز» قد أصدرته. فقد كان يتحدث حول الاستثمارات في المكان نفسه الذي كان قبل ثلاث سنوات معقلا لتنظيم القاعدة في العراق. ولكن الأمر كان يبدو أفضل من أن يستمر، وذلك هو ما حدث بالفعل؛ ففي 30 ديسمبر (كانون الأول) تعرض فهداوي لإصابة بالغة في هجوم انتحاري شنه تنظيم القاعدة على المبنى نفسه الذي كان يروج فيه للفرص الاستثمارية قبل أسبوعين؛ مما أسفر عن مقتل 30 شخصا وجرح العشرات. وكانت اللقطة الثالثة لفهداوي يوم الانتخاب، حينما خالف تعليمات الأطباء وعاد على كرسيه المتحرك إلى الرمادي بعدما أجرى جراحة بالساق وبترت إحدى ذراعيه لكي يحث أتباعه من السنة على التصويت. ولكن إذا كانت الصلابة هي العامل الوحيد، لكان العراق أعظم الدول على وجه البسيطة. ولكن صفات مثل «القوة» و«الصلابة» التي تساعد العراقيين على البقاء في بعض الأحيان، تمنعهم في الوقت نفسه من إنجاز التسويات وعقد الصفقات ذات الأهمية الخاصة للحوكمة الفعالة.

وبناء على النتائج الأولية، ربما يكون أفضل شيء في انتخابات يوم الأحد هو أنه لم يحصل أي حزب على نسبة مرتفعة تسمح له بتشكيل الحكومة وحده؛ وبالتالي سوف يتفاوض تحالف رئيس الوزراء نوري المالكي، مع حزب نائب الرئيس عادل عبد المهدي الشيعي الذي سوف يتفاوض أيضا مع الحزب العلماني الذي يترأسه رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، وسوف يسعى الجميع للتودد للأكراد. وتلك هي الديمقراطية على الطريقة العراقية، التي تكون في بعض الأحيان أقرب إلى قضاء يوم في المساومة داخل أحد الأسواق من كونها زيارة إلى النصب التذكاري للينكولن.

وقد اتصلت بعلاوي في بغداد يوم الخميس لكي أستشعر كيف ستتم تلك المقايضات السياسية. وكانت النتائج الأولية للانتخابات تشير إلى فوز تحالف «العراقية» بمحافظتين شماليتين؛ هما ديالى وصلاح الدين؛ فأخبرني أنه كان يتحدث بالفعل مع الفصائل الأخرى في محاولة للتوصل إلى تسوية حكومية غير طائفية يمكن تمريرها عبر كافة الأحزاب.

وعلى الرغم من أن كافة المرشحين كانوا يسعون للحصول على الأصوات فإن الاتصالات التي أدارها علاوي كانت نموذجية: فيقول إنه كان تحدث مع وزير الداخلية الشيعي، جواد البولاني، ورئيس مجلس صحوة الأنبار، شيخ أحمد أبو ريشة، وأحد قيادات المجلس الإسلامي الأعلى للعراق، عبد المهدي، والزعيم الكردي، مسعود برزاني، وأتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر. كما عرض علاوي التفاوض مع المالكي أيضا إذا كان موافقا على تأليف حكومة غير طائفية.

ويأمل علاوي تشكيل الحكومة بنهاية الشهر الحالي أو بداية الشهر اللاحق. وليس هناك سوى قلة لديهم مثل ذلك التفاؤل، حيث هناك مخاوف بشأن امتداد فترة المساومات السياسية ومرور بغداد بفراغ سياسي ربما يسمح بتجدد القتال الطائفي. ويعد وقف تلك الدائرة المستمرة تحديا بالنسبة للمالكي وعلاوي والآخرين. ولكنها أصبحت دولتهم الآن وأصبح بأيديهم أن يعلوا من شأنها أو يقضوا عليها.

وفي أحلك أيام الحرب العراقية، كان الأميركيون يميلون إلى الاعتقاد بأنهم سوف يبتعدون عن تلك الفوضى التي خلقناها هناك. وعلى الرغم من أن الأمور تبدو الآن أفضل مما كان أي أحد يستطيع أن يتخيل في عام 2006، فما زال لدى الولايات المتحدة التزام أخلاقي واستراتيجي بمساعدة هذه الديمقراطية الهشة على التقدم؛ على الأقل من أجل الآلاف من الأميركيين الذين فقدوا في السنوات التي أدت إلى انتخابات يوم الأحد.

وكإرشاد لنا في المستقبل، فما زلت معجبا بشعار حملة باراك أوباما: «يجب أن نكون حذرين في الخروج من العراق بقدر ما كنا غير مبالين عند دخوله».

*خدمة «واشنطن بوست»