حان دور العراقيين.. حظا سعيدا

TT

من بين جميع الصور التي رأيتها تتناول الانتخابات العراقية نهاية الأسبوع الماضي، نشرت الصورة المفضلة لي على موقع «نيويورك تايمز» الإلكتروني، وكانت لامرأة عراقية مغتربة تدلي بصوتها في ميشيغان وتمسك ابنها لتساعده على إدخال ورقتها الانتخابية في صندوق الاقتراع. لقد أحببت هذه الصورة، فلا يزال غير مألوف بالنسبة للعراقيين وللمنطقة برمتها أن يتمكن الفرد من الإدلاء بصوته لصالح المرشح الذي يختار. وبدا لي أن تلك المرأة تقول: عندما كنت طفلة، لم أذهب يوما للإدلاء بصوتي، وأريد العيش في عالم يستطيع فيه طفلي الإدلاء بصوته دوما.

باركها الرب، لقد كان ذلك يوما رائعا بالنسبة للعراق.

ولكن، من الواضح سيكون من الخطأ القول إن بمجرد الإدلاء بالصوت الانتخابي أو إجراء انتخاب أو حتى حدوث الاثنين معا يتحول العراق إلى قصة نجاح، فالانتخابات لا تصنع نظاما ديمقراطيا، ولا يزال يتعين على الساسة العراقيين إثبات أنهم قادرون على الحكم وبناء دولة وتأسيس حكم القانون مع الالتزام به. وتمثل هذه الانتخابات حدثا هاما، حيث تمكن العراقيون، بمساعدة الأمم المتحدة والجيش الأميركي وفريق أوباما، لا سيما نائب الرئيس، جو بايدن، من التغلب على معوقين مهمين.

لقد تمكنوا من التغلب على نزاعات طائفية عدة مثلت باستمرار تهديدا لعرقلة هذه الانتخابات. كما ذهب الشيعة والسنة والأكراد للإدلاء بأصواتهم، على الرغم من القنابل التي فجرها تنظيم القاعدة والبعثيون، الذين أرادوا إعاقة نجاح المشروع الديمقراطي في العراق. وتكتسب هذه النقطة الأخيرة أهمية خاصة، فالوسيلة الوحيدة لإلحاق هزيمة حقيقية بتنظيم القاعدة والبعثيين والمنحى الإسلامي المتطرف، تأتي عندما يُظهر العراقيون والمسلمون أنفسهم، لا نحن، استعدادا للقتال والموت من أجل مستقبل أكثر ديمقراطية وتسامحا وتقدما. لقد أراد تنظيم القاعدة الفشل للمشروع الأميركي داخل العراق، ولكن حافظ الشعب العراقي على ذلك المشروع حيا باستمرار.

وماذا عنك أيها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد؟ بماذا تشعر الآن؟ نعم، أنا متأكد أنه يتبعك وكلاء داخل العراق. ولكني متأكد أيضا أنك تعرف ما يقوله بعض شعبك في الخفاء: «كيف نقوم، نحن الشيعة الفارسيين الإيرانيين الذين ينظرون إلى أنفسهم دوما على أنهم أسمى من الشيعة العرب العراقيين، بالتصويت لمجموعة من المرشحين فقط، ممن حظوا بمباركة المرشد الأعلى، بينما يقوم هؤلاء الشيعة العراقيون الأقل منزلة والذين ظلوا في كنف الأميركيين 7 أعوام بالإدلاء بأصواتهم للشخص الذي يريدون؟». وعلى عكس ما يحدث داخل طهران، يقوم العراقيون فعلا بفرز الأصوات. وسوف يعزز ذلك من حالة عدم الرضا داخل إيران.

بالطبع، لقد ساعدت إطاحة الولايات المتحدة بصدام حسين إيران على تعزيز نفوذها داخل العالم العربي، فقد كانت الدولة العراقية إبان حكم صدام حسين حصنا محكوما بيد من حديد يقف ضد التوسع الإيراني. ولكن لو كانت ثمة نتيجة طيبة داخل العراق وأصبح يتمتع بأغلبية شيعية حقيقية وديمقراطية متعددة الأعراق، إلى جوار النموذج الإيراني الزائف، فإنه سيمثل مصدر ضغط دائم على النظام الحاكم داخل إيران. وستبقى في الذاكرة دوما حقيقة أن «الديمقراطية الإسلامية»، أي النظام الزائف الذي أسسه الإيرانيون، شيء لا معنى له. أما الديمقراطية الإسلامية الحق فمثل أي ديمقراطية أخرى، غير أن المسلمين هم من يدلون بأصواتهم.

كان رأي الرئيس السابق جورج دبليو بوش في أن المنطقة تتوق وتحتاج إلى الديمقراطية صحيحا على الدوام. وكان يمكن السعي من أجل تحقيق ذلك من خلال تخطيط وتنفيذ أفضل بكثير. وقد كانت هذه الحرب مكلفة ومؤلمة بصورة غير معتادة. ولكن، ما كان للديمقراطية أن تظهر يوما بصورة طبيعية في مكان مثل العراق، الذي لم يعرف يوما شيئا مثل ذلك. يقول البعض إنه لا يوجد شيء يحدث داخل العراق يبرر هذه التكلفة، وسوف ينظر المؤرخون في ذلك. وبصورة شخصية، لا أهتم في هذه المرحلة، سوى بشيء واحد فقط، أن تكون النتيجة إيجابية وتقدمية بصورة كافية ليرى هؤلاء الذين دفعوا الثمن فعلا - في صورة أحباب فقدوا أو جرحوا، أو منازل تهدمت، أو حياة معيشية تغيرت، سواء كانوا عراقيين أم أميركيين أم بريطانيين - يرون العراق يتحول إلى شيء يساعدهم على القول إنه مهما كانت التكلفة، فقد منحوا الحرية وحكومة محترمة إلى شعب لم يكن لديه أي منهما. ولكن، سوف يعتمد ذلك على العراقيين وقياداتهم. كان مشجعا كبيرا أن نرى الإقبال الكبير من الناخبين (62%)، وأن نعلم أن بعض النسب الأكبر في التصويت كانت داخل مناطق مثل محافظتي كركوك ونينوى، المتنازع عليهما. ويعني ذلك أن المواطنين مستعدون للاحتكام إلى السياسة بدلا من السلاح لحل الخلافات.

وليس أمامنا سوى أن نأمل أن يحدث ذلك. لقد تعامل الرئيس أوباما بمهارة مع إرثه داخل العراق، وهو ملتزم بجدول الانسحاب. وبذلك، سيقل نفوذنا هناك مع كل يوم. ونحتاج إلى أن تبرهن القيادات العراقية لشعبها أنهم ليسوا مجرد نخبة مرتشية تريد أن تفوز بغنائم السلطة أكثر من أن تحوز تلك الفرصة لإعادة بناء العراق. ونحتاج إلى أشخاص يبنون مؤسسات حقيقية، وأشخاص قادرين على وضع منظومة اقتصادية ونظام قضائي قابل للاستمرار. ونحتاج إلى الحذر من أن الجيش الكبير بصورة مبالغ فيها والكثير من النفط قد يفسدان أي نظام حاكم.

وسيقال إن الدولة العراقية جنت محصلة جيدة، ليس بمجرد أن يتمكن الطفل الصغير الذي ساعدته أمه على وضع ورقتها الانتخابية داخل صندوق الاقتراع على الذهاب للإدلاء بصوته بنفسه، بل ستكون المحصلة جيدة حقا إذا تحسنت فرصه في الحياة بسبب العيش داخل دولة تنعم بالأمن والخدمات الأساسية، وفيها وظائف حقيقية وحكومة جيدة. أتمنى لو كنت أستطيع أن أقول إن ذلك أمر حتمي، ولكنه ليس كذلك. ومع ذلك، فإنه ليس شيئا يتعذر الوصول إليه، وسأبقى أدعم ذلك حتى يحدث.