إيران وتركيا نهجان وغايتان مختلفتان

TT

كيف يمكن مقارنة الموقفين الإقليمي والعالمي لكل من إيران وتركيا؟ وما هو معيار الحكم؟ سأحاول من خلال هذا المقال أن أركز على الدور الهام للقوة العسكرية في كلتا الدولتين.

فبداية، خضعت تركيا على مدى عقدين من الزمن بصورة مباشرة وغير مباشرة لحكم الجيش، الذي أصر على أنه حامي العلمانية الأول، والمخلص الحقيقي لأتاتورك مؤسس تركيا الحديثة، واضطلع بمهمة تقييم الموقف بالنسبة لعلمانية الدولة. فإذا ما أدرك أن العلمانية تواجه معضلة قام بالتدخل عبر الانقلاب.

ومنذ أن أسس مصطفى كمال أتاتورك جمهورية تركيا العلمانية الحديثة عام 1923 أدرك الجيش موقعه كحام للأتاتوركية، العقيدة الرسمية للدولة. ولا تزال القوات المسلحة التركية تحتفظ بقدر من التأثير على السياسة التركية وعملية اتخاذ القرار بشأن القضايا المتعلقة بالأمن القومي التركي.

وليس بخاف على أحد تاريخ الجيش التركي الطويل بالتدخل في السياسة. وبالفعل فقد تولى السلطة لعدد من الفترات في النصف الأخير من القرن العشرين عندما قام بعدة انقلابات في أعوام 1960 و1971 و1980، ونجاحه في الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء نجم الدين أربكان ذات التوجهات الإسلامية بعد مناورات سياسية.

وفي السابع والعشرين من أبريل (نيسان) عام 2007 قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني)، وفي رد فعل على سياسات عبد الله غل ذي السجل السابق بالانخراط في الحركات والأحزاب الإسلامية المحظورة مثل حزب الرفاه الاجتماعي، أصدر الجيش بيانا قال فيه: «إن الجيش حام للعلمانية، وإن الإسلامية تناقض الطبيعة العلمانية للجمهورية التركية، وإرث مصطفى كمال أتاتورك»، وأنهي الجيش بيانه بتحذير صريح بأن القوات المسلحة التركية ستقف على أهبة الاستعداد للتدخل إذا ما انتهكت الطبيعة العلمانية للدستور التركي قائلا: «إن القوات المسلحة التركية لا تزال محافظة على عزمها القوي على أداء مهماتها النابعة من قوانين حماية السمات الثابتة للجمهورية التركية. وولاؤنا لهذا المبدأ أمر ثابت».

كان الجيش قد أنشئ في عهد أتاتورك كحام للطابع العلماني لتركيا في أعقاب إقرار الدستور الثاني عام 1920.

وتبدو تركيا الآن ماضية على الطريق الصحيح والجيش في المكان المناسب كما هو الحال في الهند أو الدول الأوروبية. وبعبارة أخرى نحن نشهد ثورة كبيرة في تركيا. فكما كتبت سابرينا تافيرنز في «هيرالد تريبيون» 3 مارس (آذار) 2010 «تراجع الجيش التركي الذي اعتبر على مدى حقبة زمنية طويلة غير قابل للمساس به من مكانته السياسية إلى نهاية مروعة».

ومن الممكن رؤية هذا الإنجاز بوضوح في كثير من الإنجازات التي شهدتها تركيا الحديثة. ففي مجال الاقتصاد على سبيل المثال يعتبر الاقتصاد التركي في الوقت الحالي سابع اقتصاد في أوروبا من حيث القوة. وأما على الصعيد السياسي، فتعد تركيا لاعبا أساسيا في المنطقة. وفي مجال العلاقات الدولية والجيوسياسية تحظى تركيا بثقل كبير.

وحتى بين حماس وفتح يمكن لتركيا أن تلعب دورا بارزا نظرا لموقفها العقلاني وحيادتها تجاه الطرفين. بيد أن إيران غير قادرة على لعب الدور ذاته لأنها تقف إلى جانب حماس، كما أن فتح لا تؤمن بالدور البناء لإيران.

من ناحية أخرى، يدخل الحرس الثوري الإيراني مرحلة جديدة في تاريخه، فبعد تلاعبه بنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، قامت قواته باعتقال كثير من المفكرين والكتاب والصحافيين، كما سيطرت قواته على قوات وزارة الداخلية.

وكان آية الله الخميني قد حض على عدم تسييس القوات المسلحة. بيد أن المادة 150 من الدستور تعرف الحرس الثوري بأنه «حامي الثورة ومنجزاتها» والتي هي على الأقل مهمة سياسية. ومن ثم كانت أفكاره محل نقاش كبير، ففي الوقت الذي طالب فيه مؤيدو الباسيج بتسييسه، عارض الإصلاحيون والمعتدلون وحسن خميني الفكرة. وقد فرض الرئيس الأسبق رفسنجاني الأسلوب العسكري على الحرس الثوري وقام بتطهيره من الأفكار الراديكالية لوقف دوره السياسي، لكن الحرس حافظ على ولائه للمرشد الأعلى علي خامنئي عندما شعر بأن الإصلاحيين يهددونه. وقد ازدادت قوة الحرس الثوري في ظل رئاسة نجاد، وتولى السيطرة بصورة رسمية على قوات الباسيج في بداية 2009. وقد قدم الحرس الثوري دليلا قويا على تبرير التدخل في السياسات انطلاقا من المادة 150 من الدستور الإيراني التي تنص على أن: «مؤسسة الحرس الثوري، التي أنشئت منذ الأيام الأولى لانتصار الثورة، ستستمر في لعب دورها في حماية الثورة ومنجزاتها. النظرة لواجبات هذه المؤسسة ومناطق مسؤوليتها فيما يتعلق بمناطق مسؤولية القوات المسلحة الأخرى يتم تحديدها من قبل القانون، مع التأكيد على التعاون الأخوي والتنسيق بينهما».

ومن ثم ففي سياق «حماية الثورة ومنجزاتها» يبرر الحرس الثوري قتل واعتقال الجميع.

وبعد نجاحه في الانتخابات الرئاسية الأولى قال أحمدي نجاد خلال جلسة سرية للبرلمان الإيراني: إنه سيختار وزراء من الحرس الثوري، أو سيتخذ قراراته بناء على مشاورات مع الحرس.

وخلال الأيام التي سبقت الانتخابات الرئاسية العام الماضي حذر الحرس الثوري من «ثورة مخملية» وتعهد بسحق أي محاولة في الحال. وفي أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات بثلاثة أسابيع أعلن قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري أنهم سيطروا على القوات الأمنية خلال الاضطرابات التي اندلعت في أعقاب الانتخابات، ودعا ذلك بعودة إحياء الثورة. فيما قال يد الله جواني اللواء بالحرس الثوري إنه لن تكون هناك أرضية وسط في النزاع على نتائج الانتخابات، لكن سيكون هناك توجهان بين أولئك الذين يدافعون عن الثورة ويدعمونها وأولئك الذين يحاولون إسقاطها».

وقد علقت الكثير من المصادر على ازدياد نفوذ الحرس في أعقاب الانتخابات قائلة: إن الجيش يتوقع أن يكون أقوى ضامن في إيران حيث يعرب كثير من الإيرانيين عن خشيتهم من أن تكون الانتخابات مجرد انقلاب صريح من قبل الحرس، وإن إيران تحولت الآن إلى حكومة أمنية عسكرية نظامية ذات واجهة من النظام الديني الشيعي.

وقبل شهرين من وفاته قال آية الله العظمى منتظري: «ما نشهده في إيران اليوم ولاية الجيش لا ولاية الفقيه». ويبدو أن حكم ولاية الفقيه تمهد الطريق تدريجيا أمام الحرس الثوري لشغل كل المناصب في كل المجالات. وبعبارة أخرى فإن الجيش في تركيا وحتى باكستان لعب دورا سياسيا رئيسا خلال العقود الأخيرة، لكن شيئا فشيئا بدأنا نرى الجيش الآن يسير في اتجاهه الصحيح. لكن العكس هو ما حدث في إيران، فخلال العقد الأخير، خاصة في أعقاب نجاح الإصلاحيين في انتخابات 1997، شهدنا تحولا في الدور الرئيس للحرس الثوري، وشغل على عكس نصيحة الخميني كل المناصب السياسية. وهو ما يبرز على نحو واضح أن حكومة أحمدي نجاد مثل الدمية في أيدي الحرس الثوري. وهو توجه جديد وغاية جديدة في إيران.