التحالف الشيعي الكردي.. مشروع للتقسيم

TT

في مرحلة المعارضة كان ممكنا تفهم تشكيل جبهة شيعية كردية لأسباب بعضها يرتبط بضعف دور الآخرين في المعارضة الخارجية، أو لأنهم محسوبون على فلسفة النظام ولو تمردوا عليه. وعندما تشكل التحالف الرباعي الشيعي الكردي تحت وطأة التطاحن الطائفي كان ممكنا تفهمه. أما الآن، فلا مبرر لإعادة تجديده، وسينظر إليه كتكتل مصالح شيعية كردية على حساب العرب السنة وشرائح أخرى.

ويستخلص من المؤشرات والتصريحات والنشاطات وجود توجه لإحباط القائمة العراقية وترويضها للقبول باستحقاقات ضعيفة، وربما عزلها، والاستعاضة عنها بمشاركة صورية للعرب السنة بشخصيات هامشية «لا تحل ولا تربط». وقد تكون نتائج الانتخابات قريبة فعلا إلى التصويت، وهو ما يبعث اليأس في الطموح بعراق ليبرالي.

تمثل قائمة علاوي الكتلة الليبرالية الفعلية الوحيدة منذ التغيير، وإذا ما تصدعت، فإنها ستكون آخر المحاولات، لتعود التخندقات والتحزبات الطائفية إلى الواجهة العلنية. وأتمنى على هذه القائمة ضبط نشاطاتها وتصريحاتها ضبطا مركزيا صارما.

لا أريد الخوض في قاموس اللغة، لكن مصطلح التحالف يستخدم بشكل أساسي في التحالفات العسكرية، بصرف النظر عن النيات الطيبة غير المتعمدة. فهل يقصد بالتحالف الرباعي الكردي الشيعي شن «حرب باردة» على العرب السنة لتذويبهم بتغيير الهوية أو تهجيرهم؟ ومع قناعتي بعدم وجود مثل هذا التوجه لدى العديد من المعنيين في التحالف «وليس الكل»، فإن من الصعب إقناع المتضررين بحسن النية، إذا ما جرى تجديد المشروع عمليا أو نظريا.

العرب السنة صهروا أنفسهم في قائمة علاوي، إضافة إلى قوائم أخرى بكثافة أقل كثيرا. وأضاف هذا الانصهار عبئا على القائمة بسبب حساسية المشكلات المناطقية. حيث يشكل تضارب المواقف بين الناخبين العرب في كركوك ونينوى والتحالف الكردستاني، حول المناطق المتنازع عليها في سهل نينوى ومصير كركوك، أهم وأخطر نقاط التحسس في مواقف القائمة. فمن دون تقديم مرونة للكرد، فإنهم سيذهبون بعيدا مع القوى الشيعية، وفي حال التجاوب مع مطالبهم يتعرض تماسك القائمة إلى خطر مؤكد. مما يتطلب تدخل طرف عربي أو دولي للوصول إلى حالة من التفاهم، لعدم وجود وسيط داخلي يمكن اللجوء إليه.

من يتابع الوضع الكردي يدرك أنهم ليسوا مستعدين لإعطاء صوتهم إلى أي جهة ليست مستعدة للتجاوب مع مطالبهم في كركوك والموصل، وإذا لم يتمكن الائتلافان - «الوطني» و«القانون» - من جمع الأصوات الكافية لتشكيل الحكومة، فإن اتفاقهما مع الكرد مقابل تنازلات ائتلافية كبيرة أقرب من احتمالات الاتفاق مع كتلة علاوي «المتماسكة»، لأن بعض السياسيين من الشيعة يرون في الصراع حول كركوك وسهل نينوى مشكلة كردية - عربية سنية. مما يضع العرب السنة في وضع يفقدون فيه القدرة على مشاركة فاعلة في الحكومة المقبلة.

الفكرة التقسيمية لا تزعج الكرد، لأن الاستقلال عن العراق يمثل هدفا استراتيجيا في المحصلة، ولا يعتبرون التوصيفة تهمة. بينما يحاول سياسيون شيعة إبعاد هذه التهمة عنهم، فإن ممارسات بعضهم تدل على سعيهم إلى تقوية نفوذهم في مناطق خط بغداد وإلى الجنوب كمرحلة أولى، والهيمنة على موارد النفط الرئيسية في الجنوب. وترك مسألة كركوك لصراع عربي سني كردي.

الاتفاق الكردي الشيعي، بما يتمخض عنه من تهميش لدور العرب السنة، يمكن أن يكون مقدمة فعلية لمشروع تقسيم العراق، لأن العرب السنة ليسوا مستعدين للقبول بتهميش طويل الأمد أو حرمانهم من حصة متساوية من الثروات كما هي الحال الآن.

وأرجو أن تتسع صدور العرب السنة أيضا للنقد. فقد نصحتهم بعدم التصادم مع قوات التحالف ولم يستجيبوا، فقدموا تضحيات باهظة. ومع أني أشهد بشجاعة شبابهم، فإنه لو كان المضحون على قيد الحياة لكان وجودهم السياسي أقوى كثيرا مما هم عليه، فيما بقي الآخرون يعدون عدتهم ولم يتهم بعضهم بعضا بالعمالة كما فعل العرب السنة. والأشياء تقاس بنتائجها. لكن الوقت ليس وقت اللوم ولا «التغني» بالأطلال، فعليهم ترتيب أوضاعهم وفق أسس جديدة منطقية، وإن كانوا يطالبون بعراق كما كانوا يظنون، فقد حان وقت المراجعة في ضوء الحقائق على الأرض. فسبع سنوات غيرت كل الموازين!

إن ما أفهمه من حقوق العرب السنة هو أن يحصلوا على حصتهم كاملة من الثروات، والتوقف عن تسييس القضاء والأمن ضدهم، والشراكة العادلة في الحكم، وأن لا يقع تجاوز على هوية مدنهم. وهذا يتطلب أن يكون صوتهم واحدا. وربما أختلف مع البعض في إيماني بكفاية الوسائل الديمقراطية السلمية لأخذ الحقوق، ومن يتجاوز عليها من الطرف الآخر يتحمل مسؤولية نتائج أفعاله.

وأي ممارسة عملية وجدية مخالفة لهذا التحليل، من قبل القادة الكرد والشيعة، ستكون موضع ترحيب كبير.