رجال.. ونساء

TT

أحد الظواهر العجيبة التي تتميز بها المنطقة العربية، أنه على عكس ما هو مفترض فإن السلطات أو الأجهزة الحاكمة تكون في بعض القضايا المجتمعية أكثر رغبة وجرأة في اتخاذ خطوات في التحديث، بينما القوى الفاعلة أو الضاغطة في المجتمع ضد هذه الخطوات، وفي معظم الحالات تشهر سيف أن الحكومة الفلانية أو العلانية واقعة تحت ضغط، وإملاءات غربية... إلى آخر القائمة المعروفة. وتريد تبييض صورتها بهذا القرار الأجرأ. وفي معظم الأحيان تنتهي المعركة بخسارة الحكومة أو الأجهزة المعنية واختيارها للسلامة بدلا من الدخول في مواجهات، والنتيجة.. لا تحديث ولا يحزنون، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمرأة.

نموذج على ذلك، معركة تعيين القاضيات في مجلس الدولة المصري، وهو جهة قضائية تفض النزاعات الإدارية، ووصلت إلى المحكمة الدستورية العليا، ويبدو فيها الجانب الحكومي هو الراغب في إدخال المرأة إلى هذا المجلس، بينما تقف الجمعية العمومية لقضاة المجلس بأغلبية ساحقة ضد ذلك، وتمثل هذا في تصويت 334 من أصل 380 في الجمعية العمومية التي عقدت قبل أسابيع ضد تعيين قاضيات.

ووسط الحجج التي قدمت من المعارضين للقرار، والتي أخذت شكلا أشبه بمعركة وطنية ضد غزاة (نساء)، كان هناك الكثير من الكلام الذي ينتقص من قدر المرأة، ويبدو غريبا وعجيبا أن يصدر في القرن الواحد والعشرين، ولا داعي للخوض في تفاصيله، وإن كان يحتاج إلى التمعن في مدلولاته، خصوصا إذا كان قد صدر عن نخب، أو يعكس اتجاها أو تيارا مجتمعيا قويا.

التمعن في مدلولاته لأن هناك حاجة إلى فهم الظاهرة وفك لغزها لمعالجتها، ولأن الحكم لا يستطيع أن يتجاهل طريقة تفكير الناس والنخب والقوى الفاعلة في مجتمعه، لأنه في النهاية عملية تفاعلية بين الحكم والمتلقي، ولا ينفي ذلك أن مسؤولية الحكم في النهاية أن يجد طريقة لقيادة المجتمع نحو التحديث، وتصحيح الأفكار الخاطئة حتى لو كانت الاتجاه العام، من أجل اللحاق ببقية أمم العالم، وإلا فإن البديل هو السقوط في نموذج أشبه بما فعلته طالبان في أفغانستان.

فأي قرارات أو قوانين مهما كانت قوتها، فإن غياب رأي عام متفاعل معها يجعلها في النهاية ديكورية، أو قابلة للارتداد عنها في أقرب فرصة، ومثال على ذلك مسألة الانتخابات والدخول في المجالس التمثيلية، وهي لم تتقدم في الدول العربية إلا بالتمكين، أي بفرض نسبة معينة من عدد المقاعد للمرأة.

وهذا يطرح مسألة دور الحكومات في تثقيف الجمهور وتنويره بما يحشد رأيا عاما يستطيع أن يكون مساندا ومتفهما للحاجة إلى التحديث، وبالطبع فإن الركيزة الأساسية في ذلك هي التعليم وتحديثه، فلا يوجد تقدم دون تعليم جيد، يستطيع أن يفرز نخبا عصرية، وهذا هو بيت الداء في الكثير مما نراه من مظاهر أو أفكار تبدو خارج الزمن، ويتحدث عنها أصحابها بحماس.