الشخصية المكرمة في «الجنادرية 25».. الأديب السعودي عبد الله بن إدريس

TT

سمّاه أحدهم: أديب التوازنات. وسماه آخر: البحر العذب. وقال عنه المحرر الثقافي لجريدة «الجزيرة»: إنه رمز مرحلة، وشاهد على مرحلة، ورائد المراحل. وأطلقتُ عليه المصطلح النقدي المعروف: السهل الممتنع.

ترجم قبل نصف قرن لأبرز «شعراء نجد المعاصرين» في حينه، فأصبح ابن إدريس يُعرف بكتابه الأوّل، وأصبح الكتاب الذي أعيد طبعه لا يُعرف إلاّ به، وحظي منذ صدوره بكثير من الاهتمام والنقل عنه.

غداً الأربعاء، يقلّده الملك عبد الله وشاح الملك المؤسس عبد العزيز، أرفع وسام سعودي، تكريماً من المهرجان الوطني الخامس والعشرين للتراث والثقافة، الذي يترادف اسمه وشهرته مع روضات (الجنادرية) التي تحيط بمدينة الرياض. وكنت توسّعت في الحديث عن تلك الجغرافيا في مقالي المنشور في هذه الجريدة (الشرق الوسط، العدد 11054 في 4/3/2009)، ويقيم المهرجان في أول أيامه الثقافية بعد غدٍ (الخميس) ندوة رئيسية عن مسيرته الأدبية والثقافية.

عرفت شخصية هذا المقال أول ما عرفته، أواخر الخمسينيات، يزور المعهد الذي تخرجت فيه، يفتش على مناهجه وأداء أساتذته ومسلك طلابه، فيحسب له المعهد كله الحساب الذي يليق بصراحته ودقته وإخلاصه.

وعرفته قارئاً له، وقد أصدر دراسته الباقية «شعراء نجد المعاصرون» السالفة الذكر، العمل الرصين الذي يذكّر بما أصدره الطيب الساسي عن شعراء الحجاز، وبما أصدره محمد سعيد عبد المقصود خوجة وعبد الله بالخير «من وحي الصحراء» من أعمال توثّق بدايات النهضة الأدبية السعودية.

وعرفته إعلامياً، وأنا أتردد عليه في منزله المجاور لإذاعة الرياض، لأنتزع منه كلمات تربط برامجها في الأشهر الأولى من ولادتها قبل خمسة وأربعين عاماً (1964) وعرفه المجتمع الثقافي السعودي، شاعراً عملاقاً نافح عن الفصيح، ودخل في معركة أدبية مع الشاعر الكبير عبد الله بن خميس (1983) منتقداً طغيان الشعر العامي (النبطي) في وسائل الإعلام، وعرفه ناقداً، وتنويرياً، وكاتباً جريئاً، وهو إلى جانب إجادته للشعر المقفى، يُعد بحق أحد روّاد شعر التفعيلة الحديث.

أما إذا أراد القارئ أن يمتع ناظريه بقراءة شيء من شعره، فلينحّ كل دواوينه الخمسة جانباً، وليقرأ قصيدته التي خاطب فيها قرينته الوحيدة (أم عبد العزيز) التي نظمها في مثل هذا الشهر منذ عامين (مارس 2008)، وهي مكوّنة من خمسة عشر بيتاً:

أأرحل قبلك أم ترحلين

وتغرب شمسيَ أم تغربين

وينبتّ ما بيننا من وجود

ونسلك درب الفراق الحزين

ويذبل ما شاقنا من ربيع

تؤرّجه نفحة الياسمين

وتسكب سحْب الأسى وابلاً

على وابل في الثرى مستكين

إلى أن يختمها بقوله:

لك الحمد يا رب أن صغتها

خدينة دين وعقل رصين

تسابقني في اصطناع الجميل

وتغبطني في انثيال اليمين

فيا زخّة من سحاب رهيف

ويا نفحة من سنا المتقين

حياتي بدونك حر وقرّ

وأنتِ على صدق ذا تشهدين

وينفضّ سامرنا موغلاً

رحيلاً إلى أكرم الأكرمين

التقيته متدثراً - بوقار - زيّه العربي البسيط، وقد كان في رحلة استجمام واستشفاء في باريس، يزور ابنه الأصغر الدكتور زياد (صاحب اليونسكو) الذي جمع له ثلة من الأدباء العرب، ليمتّعهم بذكرياته، ويتلو عليهم آخر قصائده، وعن مشاهداته في جادة الشانزليزيه، وما فيها من صور الحضارة الفرنسية متعددة الوجوه.

عبد الله بن إدريس من مواليد حَرْمَة، المدينة التاريخية المعروفة في إقليم سُدير شمال العاصمة، تخصص في العلوم الشرعية والعربية، وعمل في التدريس وفي التوجيه التربوي، وفي المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب، وتولّى رئاسة تحرير مجلة الدعوة، والأمانة العامة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ورئاسة النادي الأدبي بالرياض، وله عشرة مؤلفات، وخمسة من الأبناء، ومن العمر اثنان وثمانون عاماً.

إنه ابن إدريس أحد رموز الفكر المستنير في الجزيرة العربية، عرفته منذ عقود أستاذاّ وزميلاً وصديقاً وعلامةً فارقةً، حاضراً في ذاكرة الفكر والثقافة والإعلام والتربية في المملكة العربية السعودية.

* إعلامي

وباحث سعودي