الرهان على غضبة واشنطن

TT

ليس هناك من غرابة أن تفرح أو حتى أن تشمت الأطراف العربية من «الأزمة الطارئة» بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والإدارة الأميركية، بعد غضب نائب الرئيس الأميركي جو بايدن من توقيت إعلان الحكومة الإسرائيلية لمشروعها الاستيطاني الجديد ببناء 1600 وحدة سكنية أخرى في القدس، الذي نظرت إليه إدارة باراك أوباما باعتباره صفعة لها ولدبلوماسيتها. فبايدن الذي جاء خصيصا من واشنطن لدفع عجلة المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية المتعثرة، حتى ولو عبر التفاوض غير المباشر، شعر بالإهانة من تصرف حكومة نتنياهو التي اختارت الإعلان عن مشروعها الاستيطاني الجديد في القدس خلال وجوده في إسرائيل، فجاء رد فعله غاضبا من خلال بيان ناقد للخطوة الإسرائيلية، وتعنيف بروتوكولي تمثل في تأخره عن حفل عشاء في منزل نتنياهو.

كذلك تحركت إدارة أوباما للتعبير عن غضبها عبر سلسلة من التصريحات والمكالمات الهاتفية وتأجيل عودة المبعوث الخاص جورج ميتشل إلى المنطقة. ووجد الغضب الأميركي صداه داخل إسرائيل، إذ شن الإعلام والمعارضة هجوما عنيفا على نتنياهو واتهموه بالقصور السياسي وبافتعال أزمة مع الحليف الأميركي. لكن اللافت أن كل هذه الضجة لم تؤد إلى إلغاء القرار الإسرائيلي، فنتنياهو اعتذر فقط عن «توقيت» الإعلان، وليس عن محتواه، وحكومته لا تبدو في وارد التراجع عن سياسة الاستيطان، وأقصى ما قد تقدمه في هذا الإطار لواشنطن هو تأجيل البناء وليس إلغاء المشروع الاستيطاني. فضم القدس وابتلاعها يعتبر استراتيجية إسرائيلية تلتقي حولها مختلف القوى الإسرائيلية الأساسية، وليس سياسة خاصة باليمين المتطرف وحده، والذي إن اختلف في شيء فهو في مدى عدوانيته في سياسة التوسع الاستيطاني.

على الجانب العربي كانت هناك سعادة واضحة إزاء هذه «الأزمة المصغرة» بين واشنطن وتل أبيب، وهي سعادة يخاف المرء أن تنسينا أن خطوة نتنياهو كانت أيضا ضربة للموقف العربي الذي أعطى قبل أيام «تفويضا» للرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) لاستئناف المفاوضات بشكل غير مباشر مع إسرائيل. فنتنياهو أخذ الخطوة العربية، كما يبدو، على أنها علامة ضعف، خصوصا أن أبو مازن كان قد تعهد قبل ذلك بعدم العودة إلى المفاوضات إلا إذا توقف الاستيطان الإسرائيلي، لكنه تراجع عن موقفه وقبل الطرح الأميركي بالعودة إلى مفاوضات غير مباشرة.

وقد يقول قائل إن الخطوة العربية أحرجت نتنياهو ودفعته إلى مواجهة مع الجانب الأميركي، وهذا صحيح، لكن المحك هو: هل ستستمر «الأزمة» الأميركية - الإسرائيلية، أم سيتم احتواؤها بسرعة؟ وهل ستدفع «صفعة» نتنياهو إدارة أوباما لتغيير نهجها مع إسرائيل، أم أنها سوف تستمر على النهج الأميركي المعتاد في اعتبار إسرائيل حليفا مدللا لا يمكن الدخول في أزمة مفتوحة معه، وبالتالي لا يمكن الضغط عليه تحت شعار عدم مس أمنه؟

الأرجح، وكما علمتنا التجارب، أن «الأزمة» الراهنة بين واشنطن وتل أبيب ستكون غضبة يزول مفعولها سريعا، خصوصا أن موقف أركان الإدارة الأميركية الراهنة هو نفس موقف الإدارات السابقة في الالتزام «المطلق» بأمن إسرائيل وفي التعامل معها باعتبارها الحليف المدلل، كما أن هناك مواقع نفوذ عديدة داخل واشنطن لن تسمح لإدارة أوباما بالمضي في هذه الأزمة بعيدا. والأهم من كل ذلك أن إدارة أوباما لن تستطيع أن تنوب عن العرب والفلسطينيين في مواجهة إسرائيل، وما دام هناك انقسام فلسطيني وضعف عربي، فإن الحكومة الإسرائيلية الراهنة لن توقف برنامجها الاستيطاني. ويكفي التذكير بأنه قبل الإعلان عن برنامج بناء الوحدات السكنية الجديدة في القدس، قامت هذه الحكومة بالعديد من الخطوات الاستفزازية من بينها مصادرة أراض ومساكن فلسطينية، وضم مناطق في الخليل باعتبارها من التراث اليهودي. والتصدي لمثل هذه السياسات لا يمكن أن يكون بالاتكال فقط على حدوث «أزمة» بين واشنطن وتل أبيب، فالمسؤولية الأساسية هي على الطرف الفلسطيني المطالب بإنهاء حالة التشرذم والشتات التي فاقمت معاناة الفلسطينيين، وأضعفت موقفهم، كما أدت إلى شل الموقف العربي وإضعافه أكثر مما هو ضعيف.

[email protected]