فهم ما يقوم به أوباما

TT

من هو باراك أوباما؟

إذا سألت جمهوريا محافظا هذا السؤال، ربما تسمع منه أن أوباما سياسي محنك دخل الانتخابات كمرشح يتبنى آراء معتدلة، ولكنه يحكم مثل ليبرالي بحكومة كبيرة تعوزها الكفاءة، وهو يتصرف اعتمادا على قواعد قاسية أخذها من الساحة السياسية بشيكاغو، فهو متغطرس إزاء خصومه، ومتعال على حلفائه، ويدير منظومة سياسية حزبية. وإذا سألت ديمقراطيا ليبراليا، ربما تسمع منه أن أوباما شخص ملهم، ولكنه زعيم ذكي بصورة مبالغ فيها يواجه صعوبات في اتخاذ قراراته ويقاتل من أجل مواقفه. إنه لم يحدد رسالة واضحة حتى الآن، وسمح للجمهوريين بالاستحواذ على ساحة النقاش. وهو متعجل في إجراء مساومات، وعقلاني جدا في الترويج للقضايا.

وستلاحظ أولا أن هاتين النظرتين على طرفي نقيض. وستلاحظ ثانيا أنه يمكن التنبؤ بهما. يتخيل الحزبيون في الساحة السياسية دوما أن الجانب الآخر فعال بشدة، وأن المواطنين سيكونون معهم إذا كانت لديهم قدرة أفضل على توصيل الرسائل فحسب. وفي النهاية، ستلاحظ أن النظرتين كلتيهما تشوهان الواقع، وتطلعانك على شرنقات معلوماتية يعيش فيها الحزبيون هذه الأيام أكثر من أن تعرفانك بأوباما نفسه.

والحقيقة هي أن أوباما، مثلما كان دوما، إصلاحي براغماتي من اليسار الوسط، ويسعى طوال الوقت إلى ذكر فلسفة رائعة، من كتابه «جرأة الأمل» خلال خطاب الرعاية الصحية أمام جلسة مشتركة في سبتمبر (أيلول) الماضي. ويتحدث دوما عن حكومة نشطة معتدلة يقيدها فهم للتوازنات، ويستخدم دوما بنية جمل تعتمد على المقارنات. ويجب على الحكومة التعامل مع المشكلات من دون التدخل في نشاط السوق. وحاول العثور على هذا التوازن في مدينة بلا وسط منتظم؛ داخل مدينة يترأس فيها الليبراليون اللجان الرئيسية ويقود محافظون فيها جبهة المعارضة. وحاول أن يقوم بذلك في سياق لا يتسع لأهدافه.

ولكنه قام بذلك بعناد شديد. ويعلم قراء هذا المقال أنني من منتقدي الرعاية الصحية وقضايا أخرى، فأوباما على يساري في معظم القضايا. وهو غير لائق فيما يتعلق بالتحدي الأخلاقي الأكبر في وقتنا: 9.7 تريليون دولار في صورة ديون جديدة تتكون في العقد الحالي. لقد أساء قراءة البلاد، وتصور عطشا لحراك فيدرالي غير موجود. ولكنه، لا يزال اللاعب البارز الأكثر عقلانية وواقعية داخل واشنطن.

ويخطئ الليبراليون حين يصفونه بالضعف والتردد، ولكنه لا يسعى من أجل أهدافهم على الدوام. ويخطئ المحافظون عندما يقولون إنه مثل ليبرالي بحكومة كبيرة تعوزها الكفاءة. ولا تعد هذه قراءة عادلة لأجندته.

انظر إلى الرعاية الصحية، على سبيل المثال. لقد دفع من أجل برنامج يوسع نطاق التغطية، ويخلق عمليات تبادل، ويجري تغيرات معتدلة على الوضع الراهن. ومن العبث وصف ذلك بأنها خطة ليبرالية تقليدية. ويعد ذلك مشابها بدرجة كبيرة لصفقات الوسط اليسار التي تعامل معها توم داشيل وبوب دول أو تيد كيندي وميت رومني. وقد دافع أوباما من أجل هذا البرنامج بعناد لا يوجد ما يوازيه في التاريخ السياسي المعاصر، فقد فاق عناد بيل كلينتون في خطة الرعاية الصحية الخاصة به وفاق عناد جورج دبليو بوش فيما يتعلق بإصلاح الرعاية الصحية. وانظر إلى التعليم؛ لقد وقف أوباما ضد جمهور من الناخبين داخل الحزب الديمقراطي؛ نقابات المدرسين، بشجاعة لم نرها منذ أن وقف جورج دبليو بوش ضد القوى المعادية للهجرة داخل حزبه. وفي خطاب شهير في 1 مارس (آذار)، اتجه مباشرة ضد الأوصياء على الوضع القائم من خلال الدعوة إلى فصل المدرسين الفاشلين بالمدارس المتعثرة. لقد كان أوباما الرئيس المصلح أشد إصرارا في ما يتعلق بالتعليم في التاريخ المعاصر. وانظر إلى السياسة الخارجية، لقد استأنف أوباما نحو 80% من سياسات الولاية الثانية لبوش، وهو الأمر الذي أفزع كثيرين في اليسار. وأجرى أوباما مراجعة طويلة للسياسة إزاء أفغانستان وتحرك بناء على حقائق. وظهر كصقر ليبرالي، ساعيا وراء تحقيق النصر داخل العراق، ومتبنيا زيادة في عدد القوات داخل أفغانستان بدّلت القوة الدافعة في هذه الحرب. ونشهد حاليا تراجعا لحركة طالبان، ويتعرض قادتها للاغتيال والأسر بوتيرة منتظمة.

وانظر إلى الجانب المالي، يتعرض أوباما وتيموثي غيتنر لانتقادات داخل اليسار، حيث يوصفان بالجبن حيال «وول ستريت»، وداخل اليمين، حيث يقال إنهما بيروقراطيان جاهلان لا يعلمان شيئا عن الطريقة التي تعمل بها الأسواق. ولكنهما، حاولا العثور على مجموعة من القيود من أجل توفير بعض الاستقرار في العمليات السوقية وحققا نجاحا معيبا.

في بلد واع، سوف يرى المواطنون أوباما رئيسا يحاول تحديد نمط عصري من التقدمية المعتدلة. وفي بلد واع، سيكون أوباما قادرا على تحديد مشروعه بصورة واضحة من دون الخوف من الإساءة إلى المواطنين الذين يحتاج إليهم لتمرير تشريع ما. ولكننا لا نعيش في مثل هذا البلد. بل نعيش في بلد كثير من المواطنين فيه داخل شرنقات معلوماتية يتحدثون داخلها مع أعضاء الأحزاب التي ينتمون إليها وحدهم، ويقرأون المدونات التي تتبع مذهبا وحسب. ولذا تكون لديهم تصورات تتناقض بصورة أساسية مع الواقع، وتسيء فهم الرجل الموجود على المكتب البيضاوي.

* خدمة «نيويورك تايمز»