يوم جاءنا ميشا

TT

جاء ميخائيل غورباتشوف إلى بيروت بدعوة خاصة، قبل أسابيع. تمشى مثل سياح ثلاثة نجوم. أصغى إلى الناس وطرح عليهم الأسئلة. ولم يطرح عليه أحد سؤالا واحدا. هذا شعب نادر يعرف كل الأجوبة وفي يده كل الحلول. تمنيت لو كنت في بيروت عندما جاء. أردت أن أعرف منه كيف يشعر الإنسان عندما يعود ربع قرن إلى الوراء ويكتشف أنه غير وجه الكرة الأرضية دون أن يدري أنه يفعل ذلك. كيف يشعر المرء عندما يتطلع في مرآة المنزل ويجد فيها صورة آخر زعيم للاتحاد السوفياتي. كيف يتذكر «البريسترويكا» التي بدأت بكلمة وانتهت بسقوط جدار برلين ونهاية الحرب الباردة واستقلال الجمهوريات السوفياتية وتوحيد ألمانيا وحل حلف فرصوفيا وانضمام أوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي الغربي؟

هل هو نادم؟ هل هو سعيد؟ هل هو وحيد ومجرد زعيم سابق يصور إعلانات «لوي فيتون» مثله مثل شون كونوري؟ هل صدق نفسه فعلا عندما أصبح سيد الكرملين بعد لينين وستالين؟ ماذا كان انطباعه عن أندريه غروميكو، وزير الخارجية الدائم، عندما رآه في ساعات ضعفه وجعله يتقاعد كرئيس للدولة، المنصب الذي كان أقل نفوذا من دائرة الجمارك؟

كيف يكون المرء ميخائيل غورباتشوف؟ وكيف يصبح عندما لا يعود ميخائيل غورباتشوف؟ كيف يشعر الرجل التاريخي عندما تصبح المسافة بينه وبين النفوذ والقرار والإطلاع، كالمسافة بين خطين متوازيين لا نهاية لهما؟

أمضيت مرة نحو نهار مع مارغريت ثاتشر في البحرين بعد خروجها من داوننغ ستريت بقليل. كانت قد أصبحت سيدة بلا فولاذ ولا حديد. وكانت هي من تطرح الأسئلة على الناس. وكانت بلا مرافقين وبلا مواكب، إلا السائق. لم أحاول أن أطرح عليها أي سؤال. لماذا تذكير التاريخيين بأن التاريخ كالزئبق، لا تدركه إلا بعد أن يمضي؟ قرأت فيما بعد أن المرأة الحديدية تلقت في الأعياد أربع بطاقات، اثنتان بينها من ابنها وابنتها. تلك هي المرأة التي كانت أول زعيم غربي يستقبل ميخائيل غورباتشوف. المرأة التي كانت تتحدث إلى رونالد ريغان بلهجة الأمر. المرأة التي أرغمت فرنسوا ميتيران على إعطائها شيفرة صواريخ «اكزوسيت» لكي تهزم الأرجنتين في قلب أرضها. ثم لا شيء ولا أحد. الرجال الذين صنعتهم لم يعودوا يلقون السلام. وميخائيل غورباتشوف في بيروت، يصغي إلى تحليل سياسة العالم.