البجع أكبر الطيور البرمائية وأجملها بريشه الأبيض، ورقبته الطويلة، ومنقاره الأصفر الذهبي، وعيونه الكحيلة الواسعة. لا عجب أن يسموه ملك الطير. وهو بالضبط طير ملكي. كل البجع في بريطانيا ملك الملكة، ويسهر عليه مكتب ملكي خاص. ويعاقب بالسجن كل من يعتدي عليه. لا يملك الإنسان غير أن يسحر بمنظره وهو يسبح هادئا كسفينة صغيرة لمت أشرعتها حولها. وما أروع منظره وهو يجري بشكل قافلة من البجعات تسير الهوينا بعضها وراء البعض، رافعة رؤوسها، معتزة بجمالها.
تروى عن البجع أساطير وحكايات كثيرة في الأدب الغربي. تسمعهم يقولون هذا الكتاب أو هذا الغرام أو هذه القصيدة هي أغنية البجعة مني swan song كناية عن آخر عمل رائع تقوم به وتنتهي. يعتقدون أن البجعة عندما تفقد زوجها تجلس وتغني أغنية حزينة، ثم تموت. بحيرة البجع من أشهر الأعمال الموسيقية للموسيقار شايكوفسكي. كم وكم من فرق الباليه قدمتها على المسارح ورقصها نجوم الباليه. وهي تقوم على أسطورة وقوع أمير في حب بجعة ثم يخونها. الإنسان الخؤون والطير المخلص.
شهدت قصة من ذلك عندما كنت في الـ«بي بي سي». كنا نعمل في بيت مهيب بناه أحد الأمراء في الأيام الغابرة. أحاطته غابات وحدائق تحيط ببحيرة يسبح فيها زوج من البجع. كم سحرنا منظرهما ونحن نتطلع لهما من مكاتبنا. ولكن الغابة كانت أيضا مسكنا للثعالب. هجم أحدها على البجع الذكر وأكله. نظرت الزوجة للمقتل دون أن تعرف ماذا تعمل. ولكنها ظلت طوال اليوم والأيام التالية ترتاد تلك البقعة وتنظر، ربما في أمل أن يبعث الله زوجها ويعيده حيا لتسعد به. لاحظنا أنها بدأت تذبل وتذوى. نقدم لها أفضل الطعام، كعك وبسكويت وساندويتش مربى فلا تأكله. اتصلنا بالمكتب الملكي للبجع. قالوا هذه مأساة. سنأتيكم ببجع شاب ليراودها ويغازلها. لعله يفلح في نيل قلبها ويعيش معها وينسيها مصابها.
جاءوا به وقدموه للبحيرة بحذر وأناة ودعاء لله تعالى أن ينجح في نيل محبتها. ولكنه ما أن تقدم نحو عشها حتى نفخت في وجهه ونشرت جناحيها بغضب محذرة إياه من التقدم نحوها. أخذناه بعيدا كما نفعل مع العروس الخجولة. زففناه إليها في اليوم التالي فازدادت غضبا وفتحت منقارها لتعضه.
وفي اليوم الثالث هجمت عليه، تضربه بجناحيها وتعضعضه بمنقارها وتنتف ريشه حتى هرب المسكين بعيدا عنها وتوارى بين الأشجار يلعق جراحه وريشه المنتوف. اتصلنا بالمكتب فقالوا لا فائدة. البجعة الأرملة تظل مخلصة لذكرى زوجها الفقيد. جاءوا وأخذوا البجع الشاب.
ظلت سارة، الاسم الذي أطلقناه عليها، معتكفة في عشها، وقد لوت رقبتها على صدرها وألقت برأسها فوق بطنها. امتنعت عن الأكل كليا وعن السبح في البحيرة. جئنا إليها بكيكة جديدة فوجدناها جثة هامدة. حملها البستاني وحفر لها قبرا بجوار البحيرة حيث مات زوجها. وقفنا جميعا حوله في ألم.