من الأقدر على تزوير النتائج؟

TT

في الأسبوع الماضي جاهدت حتى لا أكتب معلقا على النتائج الأولية للانتخابات العراقية، رغم أن أرقامها كانت صادمة، حيث ظهرت قائمة الدكتور إياد علاوي متأخرة في المرتبة الثالثة، وكسرت قلمي عن التعليق، حتى عندما ظهرت أنباء تقول إن ائتلاف دولة القانون، بزعامة الدكتور نوري المالكي، فاز في تكريت، حيث معقل متطرفين بعثيين وبيت صدام الأول.

امتنعت لسبب واحد، أن الأرقام المعلنة لم تتجاوز حينها 15 في المائة من أصوات الناخبين المفروزة، وبالتالي بقي وقت طويل حتى يجوز لنا أن نعلق ونشكك ونقترح. اليوم معالم المنظر الانتخابي باتت أوضح، حيث إن النتائج توشك على الاختتام بنسب عالية تقارب التسعين في المائة، ورغم ذلك لا تزال محل جدل. والجدل طبيعي، لكن الذي يدعو للاستغراب أن يتهم فريق علاوي، المتصدر حتى الآن، بأن النتائج زورت لصالحه، في حين أن هذا الفريق تحديدا لا يملك سلطة أمنية، أو حزبية داخل الحكومة، أو إدارية، أو دينية مقارنة ببقية التحالفات، وبالتالي كيف يستطيع أن يزور؟

ومن الطبيعي جدا أن تثير أي نتيجة جدلا وجزعا واحتجاجا، وبالطبع تشكيكا من قبل الخاسرين، لكن حتى التشكيك يحتاج إلى منطق مقنع. فالحكومة تملك سلطة مرئية وغير مرئية في مجتمع يدين تقليديا بالطاعة للنظام الإداري، أما الجماعات التي لا تملك سلطة فلا يعقل أن تتهم بالتزوير. ولأن المفوضية، المكلفة بفرز الأصوات وحسابها وإعلانها، لم تنته بعد، فإنه من الحكمة أن نلتزم الصمت حتى تصبح النتيجة شبه محسومة، أو نعتبر أي جدل حول النتائج مجرد نقاش.

والجدل طبيعي بسبب أن تركيبة النظام العراقي برلمانية لا رئاسية، حيث لا ينتخب الناس الهيئة الرئاسية مباشرة، بل عن طريق انتخاب أغلبية في البرلمان، النصف زائدا واحدا، أو تشكيل تحالفات تؤمن الأغلبية البرلمانية المطلوبة. ومن عيوب النظام العراقي الجديد أن الناس لا تنتخب مباشرة، بل تقترع فقط لاختيار البرلمانيين، الذين ينتخبون بدورهم الرئيس ورئيس الوزراء ونوابهم. لكنها تعد محاسن لبلد متعدد التيارات مثل العراق. ففي الانتخابات الماضية والانتخابات الحالية نرى من النتائج الأولية أنه يصعب على حزب واحد أن يكتسح وحده الانتخابات بأغلبية الواحد وخمسين في المائة. هذا النظام يفرض على اللاعبين أن يقبلوا مبدأ التحالف والتنازل، وعدم احتكار السلطة بشكل مهيمن.

وبالتالي أظن أن الجدل حول من زور الأصوات يأتي نتيجة أن كل فريق يظن أنه قادر على اكتساح الساحة بحكم ضخامة التحالف الواحد، كما رأينا في الكتل الثلاث الحالية، وجزء من الاحتجاج محاولة بناء ضغوط سياسية لتغيير النتائج، وسبب ثالث أن العاملين في الحملات نفسها يريدون تبرير هزيمتهم.

اليوم صرنا قريبين من تتويج أحد زعيمين، إما المالكي أو علاوي، وهذا يجعلها انتخابات مثيرة حقا ومحل إعجاب كل من تابعها، فهي تفصح عن تطور سياسي بين في مجتمع الدولة الجديد.

[email protected]