دعونا نقاتل من أجل خطة كبرى

TT

فيما وراء الخلاف الأخير بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن المستوطنات تكمن مشكلة حقيقة أعمق: هناك خمسة عناصر محورية في المعادلة الإسرائيلية - الفلسطينية اليوم، يملك اثنان منها - سلام فياض، رئيس الوزراء الفلسطيني وتحالف جماعتي حماس وحزب الله - استراتيجيات واضحة. ويتخذ هذان العنصران موقفين متعارضين، لكن واحدا منهما سيشكل العلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية على مداد السنوات القادمة: في الواقع، يوما بعد آخر يقترب موعد اندلاع المواجهة بينهما. من جانبي، آمل أن يكون النصر حليف فياض. والمؤكد أن هذا الأمر سيعود بالنفع على إسرائيل وأميركا والدول العربية المعتدلة. إلا أن هذه الفرق الثلاثة بحاجة إلى صياغة استراتيجيات خاصة بها للمساعدة في تحقيق هذا الفوز.

بوجه عام، يمكن القول بأن فياض يعد أكثر القوى الجديدة إثارة للاهتمام على الساحة السياسية العربية. سبق لفياض العمل خبيرا اقتصاديا لدى البنك الدولي، ويسعى حاليا إلى تنفيذ استراتيجية تقع على النقيض تماما من استراتيجية ياسر عرفات، ففي الوقت الذي أقر الأخير استراتيجية تمزج بين العنف والسياسة، وتمثلت خطته في الفوز أولا بالاعتراف الدولي بدولة فلسطينية، ثم بناء مؤسساتها، يدعو فياض إلى عكس ذلك، حيث يؤيد النضال غير العنيف لبناء مؤسسات شفافة لا يشوبها الفساد ووحدات شرطة وقوات شبه عسكرية فاعلة، التي دفعت حتى الجيش الإسرائيلي للاعتراف بأنها تبلي بلاء حسنا. بعد ذلك، وبمجرد الانتهاء من بناء المؤسسات وضمان عملها بفاعلية، يرمي فياض إلى إعلان قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية بحلول عام 2011.

الواضح أن استراتيجية فياض - ورئيسه، الرئيس محمود عباس - تكتسب زخما وتدخل في «صراع مباشر مع شبكة المقاومة المؤلفة من إيران وحزب الله وحماس»، حسبما شرح غيدي غرينستاين، رئيس معهد «روت»، أحد أبرز المراكز البحثية الإسرائيلية المعنية بالسياسات.

وأوضح غرينستاين أن إيران تتبع استراتيجية بسيطة، تقوم على تدمير إسرائيل عبر مزيج من الحروب غير المتكافئة، مثل حرب حزب الله من جنوب لبنان وحماس من داخل قطاع غزة، ونزع الشرعية عن إسرائيل باتهامها باقتراف جرائم حرب عندما تدخل في قتال ضد حماس وحزب الله، اللذين يتعمدان خوض القتال مع المرابطة بين صفوف المدنيين، علاوة على «إضفاء طابع ديني» على الصراع بتحويله إلى صراع بين المسلمين واليهود، والتركيز على رموز مثل القدس، وأخيرا دفع إسرائيل إلى «الامتداد عبر رقعة إمبريالية مفرطة الاتساع»، بمعنى دفعها لإبقائها على احتلال الضفة الغربية بسكانها الفلسطينيين البالغ عددهم 2.5 مليون، انطلاقا من قناعة إيران وحلفائها بأن هذا الاحتلال سيسفر عن «انفجار داخلي» في إسرائيل.

وعليه، يتضح أن «النهج الفياضي»، الرامي إلى استبدال دولة فلسطينية مستقلة بالاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، يشكل التهديد الأكبر للاستراتيجية الإيرانية. لذلك، فإن الإجراء الأمثل الآن أمام العناصر المحورية الثلاثة الأخرى صياغة استراتيجية واضحة لمساندة هذا النهج.

منذ احتلال إسرائيل الضفة الغربية عام 1967، واجهت إسرائيل معضلة: هل ترغب حقا في إقامة دولة يهودية ودولة ديمقراطية ودولة على جميع أراضي إسرائيل (بمعنى إسرائيل الحالية بجانب الضفة الغربية)؟ في ظل ظروف عالمنا الراهن، ليس بمقدور إسرائيل سوى تحقيق اثنين من هذه الأهداف الثلاثة، فإسرائيل بإمكانها بناء دولة يهودية وديمقراطية، لكن ذلك لن يتحقق حال تمسكها بالسيطرة على الضفة الغربية، لأن الفلسطينيين هناك، إضافة إلى عرب إسرائيل سيفوقون اليهود عددا. وباستطاعتها كذلك بناء دولة يهودية والاحتفاظ بالضفة الغربية، لكن لا يمكن أن تتميز هذه الدولة بالديمقراطية، لأن العرب سيشكلون أغلبية فيها. ويمكنها بناء دولة ديمقراطية مع الاحتفاظ بالضفة الغربية، لكنها لن تكون دولة يهودية.

إنني على ثقة من أن رئيس الوزراء بيبي نتنياهو يتفهم هذا الأمر، ولذلك قبل مبدأ التوصل إلى حل يقوم على دولتين. إلا أن حكومته تشكل مزيجا بالغ الصعوبة من حزب العمل المعتدل وعدد من الآيديولوجيين المتشددين دينيا ووطنيا ممن يؤمنون بأن إسرائيل ليست مضطرة لاختيار اثنين من الخيارات الثلاثة سالفة الذكر، وإنما في إمكانها نيل الثلاثة فقط إذا تمسكت بنهج صارم.

وعليه، ليس باستطاعة حكومة بيبي تجاهل الولايات المتحدة وفياض، لكنها عاجزة في الوقت ذاته عن التحرك بحسم أكبر لمساعدتهما. من جانبه، قارن الصحافي ناحوم بارنيا، الذي يكتب عمودا في صحيفة «يديعوت أحرونوت» اليومية الإسرائيلية، بين نتنياهو و«أحد السائقين الأكبر سنا الذين يعمدون إلى السير في منطقة وسطى بين حارتين على الطريق خشية ارتكاب خطأ، مما يثير غضب السائقين من خلفهم ويتسبب في وقوع حوادث. عندما يعطي مثل هذا السائق إشارة التحول يسارا، يتحول فعليا إلى اليمين. وعندما يعطي إشارة التحول إلى اليمين، يبقى مستمرا في خط مستقيم».

من ناحية أخرى، من الواضح أن غالبية الدولة العربية الموالية للولايات المتحدة تفتقر إلى رؤية واضحة وإلى الشجاعة، وعليه تصبح مهمة الترويج لـ«النهج الفياضي» في يد فريق العمل المعاون لأوباما، ويعد هذا النهج فكرة عظيمة، لكنها تقابل تحديا هيكليا هائلا. عام 2006 - 2007، تفكك النظام السياسي الفلسطيني بين غزة الخاضعة لسيطرة حماس والضفة الغربية الخاضعة لفتح، بقيادة عباس وفياض.

لذا، ربما يفتقر البرلمان الفلسطيني اليوم إلى الوحدة أو الشرعية التي تمكنه من إقرار أي اتفاق مع إسرائيل. لذلك، يجب أن تتوصل واشنطن إلى سبيل لبناء دولة فلسطينية في الضفة الغربية بجانب إسرائيل في هذا الإطار. وسيتعين إنجاز هذا الأمر على مراحل، بحيث تتمثل الأولى منها في إقامة دولة فلسطينية بـ«حدود مؤقتة» - بحيث تغطي جميع أرجاء الضفة الغربية فيما عدا الكتل الاستيطانية الإسرائيلية الراهنة - مع إرجاء تسوية قضايا اللاجئين والقدس والحدود النهائية إلى المرحلة الثانية.

في الحقيقة، كان الرئيس أوباما صائبا تماما في انتقاده إسرائيل بشأن توسعها الاستيطاني، الذي يقوض الفرص الكامنة في اللحظة الراهنة. لكنه أيضا بحاجة إلى استراتيجية واضحة لاستغلال هذه الفرص، الأمر الغائب عن فريقه المعني بالسياسة الخارجية حتى الآن. إذا كنا سنتقاتل مع إسرائيل - أو بالأحرى العمل معها - دعونا نقوم بذلك حول استراتيجية أميركية كبرى نرى أن بمقدورها تشكيل شرق أوسط أكثر استقرارا.

* خدمة «نيويورك تايمز»