معادلة الحكم في العراق.. مراجعة إقليمية

TT

من الواضح أن دول المنطقة الإقليمية وجدت في الانتخابات التشريعية في العراق فرصة سانحة ومؤثرة للتأثير في معادلة الحكم في العراق؛ كلٌ حسب رؤيته، وحسب هواجسه ومصالحه وحدود الامتداد والتأثير الذي يطمح إليه، سواء في آليات تشكيل الائتلافات المختلفة التي دخلت فيها للانتخابات تحت رعاية بعض العواصم في المنطقة، التي أضحت المطابخ الأساسية لإنضاج شكل واتجاهات الائتلافات السياسية، وأحيانا في مضمونها وعناصرها، أو في توفير الدعم السياسي والمالي والإعلامي الذي كان واضح المعالم، حيث وفر فرصا إعلامية لقنوات فضائية سخرت برامجها وساعات بثها الذهبية لإعلانات مدفوعة الثمن تتكرر بصورة مملة للمشاهد، وتمويلا سخيا لشراء أصوات بظن أن الأموال والدعاية التلفزيونية ستخلق فوزا موهوما ووقائع جديدة على الأرض. كل تلك التأثيرات أثارت أسئلة متعاقبة عند المواطن العراقي عن هذه التأثيرات الإقليمية، وفي الوقت نفسه ولدت إجابات داخلية لديه، حفزت عنده حصانة جزئية جعلته يتجه للتصويت بنسب مشاركة أعلى وأشد حماسة على الرغم مما شهده يوم الانتخابات من رسائل عنف ودم في بغداد والرمادي والموصل، وأيضا جعلته يصوت لقوائم كانت أقل استجابة للتأثيرات الإقليمية وأقلها دعاية، ومعدومة من توزيع أموال سهلة لشراء الأصوات. وهذه ظاهرة لا بد من الوقوف عندها ودراستها عندما نتحدث عن التأثيرات والتجاذبات الإقليمية في الشأن العراقي، وإمكانيات نجاحها من عدمها، ومقدار الممانعة لدى المواطن العراقي تجاه هذه التأثيرات، والوعي الانتخابي الذي يتسارع عند المواطن الذي سبق بعض السياسيين بأشواط بعيدة.

ومع توالي ظهور نتائج الانتخابات، أرى من المناسب والضروري للدول الإقليمية أن تجري مراجعة جريئة لكثير من القوالب الجامدة التي تعتمدها في التعامل مع المشهد العراقي والرهان الذي تعتمده عن آراء وتوجهات أحادية اللون لبناء سياستها ومواقفها من العراق ومعادلة الحكم فيه، هذه المراجعة تتطلب القبول بالواقع على الأرض كعنوان رئيسي، ثم التوجه لمراجعة سياسات السنوات الماضية منذ 2003 لمعرفة مدى صواب تلك السياسات ونتائجها ومديات الربح والخسارة فيها لكل الأطراف؛ فالدول العربية بترددها في التعامل مع معادلة الحكم التي يصنعها ويريدها العراقيون قد شجعت الطرف الإيراني على زيادة التأثير والتبادل التجاري ونسج علاقات حتى مع أطراف خارج الأطر التقليدية التي اعتادت إيران التعامل معها، مما زاد من القلق السعودي والأردني من وصول علاقات إيران لأطراف سياسية في الغرب العراقي، كما أن الإيرانيين، بعلاقاتهم المتوترة مع السعودية والولايات المتحدة، أصبحوا أكثر وأسرع إيقاعا في التقدم في علاقات سياسية استعراضية مع أطراف مختلفة وبحساسية أعلى تستجلب قلقا، جزء منه مبرر، خاصة مع توجهات إقليمية مع تركيا لصياغة رؤية مشتركة تعطي لتركيا دورا وإشارة للبدء بحركة أكثر فاعلية في العراق.

هذا التسابق في التأثير، الذي شهدنا أوج تأثيره لن ينجح في إطفاء القلق الإقليمي من العراق، ولن تكون الرياح كما تشتهي السفن، بل سيكون هناك عامل حاسم وغائب في معادلة صياغة النتائج، ألا وهو المواطن العراقي الذي ستكون خياراته حاسمة في قلب طاولة التجاذبات وصناعة الوجوه والكيانات والائتلافات، وهذا العامل الغائب عن حسابات دول الإقليم ستزداد قوة تأثيره وفاعليته مع كل انتخابات، ويخطئ من يتصور أنه يستطيع تغييبه أو إلغاءه من المعادلة. لذلك أتمنى، وكجزء من المراجعة الذاتية لهذه الدول، أن تتعامل في قادم الأيام مع معادلة الحكم في العراق بهدوء وحكمة، والقبول بخيارات المواطن والناخب العراقي، حيث لن تبنى علاقة متكافئة من دونها ولن تنفع علاقات موازية للشرعية مع أطراف خارج الحكم يُنظر إليها أحيانا كبديل وهمي عن الحكومة المنتخبة مهما مُدت لها السجادات الحمراء أو تمت لها مراسم الاستقبال الشكلية. فالعراق القادم سيكون قوة تتنامى ويتعافى جسده من تركة التجاذبات والتأثيرات وموجات القتل والعنف، وستتحرك معه عجلة الرفاه وستتراجع تأثيرات وقوة الأموال القادمة من بعض العواصم على اتجاهات الرأي فيه، وقد يكون تشكيل حكومة جديدة قادمة في العراق مناسبة وفرصة لتغيير الرؤية وصناعة القرار وآليات التواصل مع العراق.

*الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية