إسرائيل.. من التبعية إلى الندية

TT

هي «أسوأ أزمة» في علاقات إسرائيل بالولايات المتحدة الأميركية منذ 35 عاما، كما قال السفير الإسرائيلي في واشنطن، أم نقطة تحول في هذه العلاقات؟.

توقيت «كشف» وزير الداخلية الإسرائيلي عن قرار بناء 1600 وحدة سكنية في القدس الشرقية مع زيارة نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، لإسرائيل يمكن إدراجه في خانة «الصدف المتعمدة»، كون زيارة بايدن معروفة سلفا، ومهمته أيضا معروفة سلفا: إعادة إطلاق مفاوضات السلام غير المباشرة مع الفلسطينيين.. وشرطهم الأساسي لعودتها هو وقف عمليات الاستيطان.

من نافلة القول أنه لو كان في وارد نتنياهو «مسايرة» رغبات الدبلوماسية الأميركية لكان بدأ بجلاء الغموض الذي غلف به نواياه حيال «حل الدولتين» الفلسطينية والإسرائيلية (المتعايشتين جنبا إلى جنب)، خصوصا أن نحو العشرة أشهر انقضت على «إشارته» المبهمة إلى هذا الحل في خطاب جامعة بار إيلان في يونيو (حزيران) الماضي، ولكان خفف من الشروط التي وضعها لتحقيقه، التي هي أقرب إلى شروط تعجيزية منها إلى تمهيد لتسوية سلمية.

مع ذلك، وحتى في حال اعتبار توقيت إعلان وزارة الداخلية الإسرائيلية مجرد تصرف «مؤسف» - كما وصفه نتنياهو - فإن إحجام رئيس الحكومة الإسرائيلية عن اتخاذ أي إجراء كان لإلغاء القرار، أو حتى «للوم» وزير الداخلية على تصرفه غير الدبلوماسي، يوحي بأن وراء التصرف الإسرائيلي حافزا يتجاوز رفض «رغبة» أميركية معلنة بأكبر ضجة ممكنة - أي بحضور الرجل الثاني في الهرمية الإدارية الأميركية - إلى سعي مبطن لقلب معادلة العلاقة التقليدية مع واشنطن من علاقة تبعية إلى علاقة ندية.

ربما تشعر حكومة الليكود أن إسرائيل شبت عن الطوق الأميركي. وقد يفسر ذلك حرص حكومتها - رغم كل ما قيل عن اعتذار نتنياهو لبايدن عن «توقيت» الإعلان، ورغم رد الفعل الأميركي الغاضب على القرار، والذي بلغ حد استعمال بايدن، للمرة الأولى، تعبير «الإدانة» لهذا الاستيطان، ورغم اللهجة القاسية التي استعملتها وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، في انتقادها توقيت القرار الإسرائيلي ووصفه بـ«المهين» - على إبقاء الاعتذار الرسمي عن الواقعة في نطاق شخصي، فلم يصدر عنها ولا عن رئيسها أي إشارة عن ندمهما على ما ألحقته من إساءة غير مسبوقة للعلاقة التاريخية مع واشنطن.

هذا التجاهل، المتعمد كما يبدو، للعلاقة التاريخية بين الدولتين يبرر التساؤل عما إذا كانت حكومة نتنياهو على عتبة نقلة «استقلالية» في أسلوب علاقتها بواشنطن. والواقع أن هذه النقلة كانت واضحة ليس في تعاملها مع التسوية السلمية فحسب، بل مع الملف النووي الإيراني أيضا، وإن فشل نتنياهو في إقناع الإدارة الأميركية باعتباره «المشكلة الأم» في الشرق الأوسط.

في هذا السياق يجوز الظن بأن «واقعة» إعلان قرار الـ1600 وحدة سكنية في القدس الشرقية وما أحاطها من ظروف سياسية، محاولة أخرى طموحة من حكومة نتنياهو لتعويد الإدارة الأميركية على التعامل مع «إسرائيل عظمى» قادرة على تجاهل رغباتها العلنية.

هذا «الطموح»، إن صح، يستدعي من صانع القرار في واشنطن أن يعيد النظر في أسلوب تعامله مع دولة إسرائيل ككل، لا مع حكومة الليكود فحسب.

وقد يكون هنا بيت القصيد، فنتنياهو يسعى، وعن قناعة كما يبدو، إلى إزالة ذلك الوهم العالق حتى الآن بالذهنية العربية بأن «الضغوط» الأميركية على إسرائيل كافية لحملها على الالتزام بتسوية سياسية ما في المنطقة.

باختصار, اسرائيل لم تعد في القرن الحادي والعشرين مشكلة عربية بل عبء اميركي يزداد ثقلا... في وقت تتراجع فيه اهميتها الاستراتيجية لواشنطن .