تعهيد الاستخبارات

TT

كان العنوان يبدو وكأنه عنوان لإحدى الصحف الباكستانية التي تعتمد نظرية المؤامرة خطابا أساسيا لها: «اكتشاف صلة بين المتعهدين وتعقب المسلحين وقتلهم». ولكن تلك القصة نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» في عددها يوم الاثنين؛ ملقية الضوء على بعض الإشكالات الكبرى التي ظهرت في تلك المنطقة الغائمة بين ممارسات الجيش والاستخبارات.

وتعد النقطة الأساسية لفهم تلك المؤامرة الخفية هي أن الجيش الأميركي لم يكن راضيا عن مستوى عمل الاستخبارات الأميركية في أفغانستان. وقد ظهر ذلك الإحباط للعيان في يناير (كانون الثاني) في التقرير الذي أعده أحد المسؤولين الكبار بالاستخبارات العسكرية وهو الميجور جنرال مايكل فلين والذي بدأ كالتالي: «بعد ثماني سنوات من الحرب في أفغانستان، ما زالت الاستخبارات الأميركية ليس لها سوى دور هامشي في الاستراتيجية الشاملة».

وهي قصة معقدة، ولكن يمكن أن نستخلص منها دروسا بسيطة: ففي إطار مساعيه لتنفيذ «العمليات المعلوماتية»، «وحماية القوات» قام الجيش بممارسات استخبارية - نفذتها الاستخبارات الأميركية - ربما تقتضي إحاطة الرئاسة وإعلام الكونغرس. وفي ظل الاستعانة بالمتعهدين الذين يعملون «خارج الحدود» في أفغانستان وباكستان، كان الجيش يحصل على معلومات كانت في بعض الأحيان أفضل من المعلومات التي قدمتها الاستخبارات الأميركية.

وتثير إعادة بناء الوقائع بناء على الحوارات التي أجريت مع نحو ستة من المصادر العسكرية والاستخبارية سؤالين أساسيين: ما الإجراءات العسكرية الضرورية لوضع «العمليات المعلوماتية» والأنشطة المرتبطة بها تحت السيطرة؟ وكيف تستطيع الاستخبارات تحديث جهودها في جمع المعلومات حتى لا يتم الاستعانة بالمتعهدين لملء ذلك الفراغ. وتصف «نيويورك تايمز» استعانة الاستخبارات بالمتعهدين التي بدأت في عام 2008 تحت ضغط «الإدارة الاستراتيجية للبنتاغون» التي تشرف على العمليات المعلوماتية. وذلك حينما بدأ أحد المدنيين بالإدارة الأميركية الاستراتيجية، مايكل فرلونغ، تعيين الصحافيين السابقين لتقديم «حقائق واضحة» بميزانية أساسية تبلغ 22 مليون دولار.

ثم كان هناك نشاط استخباري خاص آخر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، عندما استعانت «نيويورك تايمز» بالشركة الأميركية للأمن القومي التي يقع مقرها في بوسطن لكي تقوم بتحرير صحافيها ديفيد رود الذي اختطفته حركة طالبان في ذلك الشهر. وبدورها لجأت الشركة إلى دوين (ديوي) كلاريدج، المسؤول السابق بالاستخبارات الذي أنشأ مركز مكافحة الإرهاب بالوكالة عام 1986 والذي كان يعد من الشخصيات البارزة في الشؤون المناهضة لإيران. وقد بدأ في تأسيس شبكة من المخبرين لمساعدته على تحرير رود. وعلى الرغم من أن رود تمكن من الهرب في يونيو (حزيران) 2009، فقد استمرت شبكة كلاريدج في العمل. ولدى هذه الشبكة حاليا نحو 10 عملاء يعملون كضباط استخبارات وينحدرون من الولايات المتحدة،وبريطانيا، وجنوب أفريقيا، وغيرها من الدول. ويدير هؤلاء الضباط نحو 20 «عميلا أساسيا» يتواصلون مع ما يقدر بنحو 40 مصدرا في أفغانستان وباكستان.

وكان كلاريدج يتصل دائما مع إدارة العمليات الخاصة الأميركية في «تامبا» منذ مارس (آذار) 2009 لمشاركة المعلومات والتأكد من أن شبكته الخاصة لن تصطدم بالعملاء الأميركيين. ويقال إن ذلك كان بعلم كل من الأدميرال إريك ألسون، رئيس إدارة العمليات الخاصة، والليوتينت جنرال ديفيد فريدوفيتش مدير مركز العمليات الخاصة بالإدارة.

وقد ازدادت الصلات بين كلاريدج والجيش عمقا في يوليو (تموز) بعدما قدم معلومات استخبارية مفصلة حول الجندي بو برغدال بالجيش الأميركي، الذي أسرته حركة طالبان في شرقي أفغانستان.

ثم أصبحت هناك صلات بين كلا المتعهدين منتصف 2009، عندما التقى فارلونغ بأحد عملاء كلاريدج في دبي. وفي أكتوبر (تشرين الأول)، منح الجيش كلاريدج عقدا تبلغ قيمته عدة ملايين من الدولارات و«الشركة الأميركية للأمن القومي» عبر سلسلة من المتعهدين الثانويين.

وفي الوقت نفسه، كان هناك ارتباك في الاستخبارات الأميركية نظرا للتعاون الحر مع كلاريدج، وقد أبدى الرئيس الجديد للمحطة في كابل اعتراضه خلال الصيف، ووضع المحامون قواعد جديدة. وتم إعادة تصنيف مهمة كلاريدج باعتبارها «حماية القوات»، وهو ما يدخل ضمن دائرة الأنشطة العسكرية العادية في مناطق الحرب.

وكان عادة يتم تقاريره غير السرية إلى مركز العمليات المشتركة بكابل، ثم يتم تحويلها إلى مستندات سرية وتمريرها عبر القنوات الاستخبارية. وكانت تقارير كلاريدج تحمل عنوان «الأجواء المحيطة بحماية القوة»، وتم إطلاق صفة «المتعاونين» على مصادره، وتم وصف الجهود التي يقوم بها باعتبارها «بيانات تم جمعها تجاريا» بدلا من معلومات جمعتها الاستخبارات. ولكن تلك اللغة لم تقض على الصراع بين أنشطة الجيش التي تقع تحت طائلة العنوان العاشر من القانون الأميركي والنشاط السري للاستخبارات والذي يتم بمقتضى العنوان 50. وهذه المنطقة الغائمة دفعت الأدميرال دينيس بلير مدير الاستخبارات المحلية لأن يقول بصورة شخصية إن البلاد ربما تكون قد أصبحت في حاجة إلى «العنوان الستين» والذي يمزج بين المادتين في إطار متماسك من خلال ضوابط واضحة.

ومن المتوقع أن تثير قضية المتعهدين السريين جدالا ساخنا حول إنشاء مثل تلك «المادة 60»، وحول القوانين العسكرية المتعلقة بالعمليات المعلوماتية. وفي الوقت نفسه، ما زالت شبكة كلاريدج الخاصة تقدم المعلومات الاستخبارية الحديثة؛ حيث إن أحدث تقرير لكلاريدج من مقاطعة باكيتا نشر يوم الاثنين، أي في اليوم نفسه الذي نشرت فيه مقالة الـ«نيويورك تايمز».

* خدمة «واشنطن بوست»