لا يرد الكريم غير اللئيم

TT

في أواخر الأربعينات الميلادية أعلن روجر كيز رئيس مجلس شركة «جنرال موتورز» أنه في عام 1965 ستتوافر في معظم البيوت والشقق الأجهزة التالية:

1- جهاز يكيف الهواء ويمتص أوتوماتيكيا التراب والغبار والروائح الكريهة والجراثيم.

2- غسالة كهربائية، تغسل الملابس وتجففها وتكويها وتطويها.

3- جهاز أوتوماتيكي يغسل أرضية المطبخ ويجففها ويلمعها في دقائق.

4- جهاز يغلق لك جميع نوافذ البيت بمجرد نزول المطر.

5- جهاز إلكتروني يغسل لك الأطباق والصحون دون استعمال قطرة واحدة من الماء.

6- بطارية خاصة تمد بيتك بكل ما يحتاج إليه من التيار الكهربائي وتستمد حرارتها من الطاقة الذرية أو أشعة الشمس.

7- محطة مياه خاصة.. فلا تتعرض لانقطاع المياه إذا حدث عطل في شركة المياه.

إن كل هذه الأجهزة ستظهر في الأسواق قريبا جدا.. وأقرب مما تتصور.

هاجمه البعض على توقعاته الخيالية، والبعض الآخر اتهمه بالـ«ألزهايمر» أو الخرف.

طبعا أصبحت هذه الوسائل أو المعطيات العلمية والحضارية أكثر من عادية، فماذا لو طلع علينا إنسان وتوقع ماذا سوف تكون عليه منازلنا وشققنا بعد 25 عاما، ولا أقول 55 عاما؟

لو طلع علينا مثل ذلك الإنسان لكنت أول من يتهمه بالخرف.

* * *

هو رجل كريم ولديه مطعم ناجح، ولا أتردد في الذهاب إلى مطعمه بين الحين والآخر - خصوصا إذا ضمنت أنه موجود - لأنه ما أن يراني حتى يسحب أحد كراسي الطاولة ليتبادل معي الأحاديث، وغالبا ما كان يرفض أن أدفع الحساب، وهذا أحلى ما في الموضوع.

المهم أنه في إحدى المرات، أتى وجلس أمامي وهو يضحك، وعندما استعلمت منه عن الأمر قال: «أمس أردت أن أستطلع مدى أهمية مطعمي، فتركت سيارتي، وركبت أول تاكسي صادفني، وقلت للسائق: (أريدك أن تذهب بي إلى أفضل مطعم في جدة)، وانطلق، وبعد مدة فوجئت به يوقفني عند مطعمي هذا، ومن شدة فرحي أعطيته أجرته، ونفحته فوقها (بخشيشا) مجزيا، ويا ليته أخذ ذلك وذهب، ولكنه قال لي بحرارة: (شكرا يا سيد...)، ونطق اسمي، حيث أن الخبيث كان من البداية قد عرفني، لهذا أوصلني إلى هنا وأخذ ما يتوقعه».

استمعت إليه صامتا، وأخذت أسأل نفسي: ما الفرق يا ترى بيني وبين سائق التاكسي؟!

وما إن مددت يدي على جيبي لأدفع الحساب، حتى قفز الرجل الكريم من مكانه قائلا: «لا والله ما يصير»، حاولت أن أتمنّع، ولكنه كرر «حلفانه»، قلت له: «لقد أحرجتني ولكن (لا يرد الكريمَ غيرُ اللئيم)»، وسحبت يدي من داخل جيبي بعد أن اطمأننت أن نقودي ما زالت في حرزها المكين.

عندها صافحته وخرجت قائلا: «اللهم أدِمها علينا نعمة»، ثم رحت أملأ رئتَي من الهواء العليل.

[email protected]