لماذا يضرب الموظفون عن العمل؟

TT

أغرب إضراب رأيته كان حينما استلقى حشد كبير من العمال على الأرض للحيلولة دون دخول سيارات المسؤولين إلى موقع الإضراب. وأذكر أنني شاهدت أيضا موظفا أضرم النار في جسده أمام مقر سفارته احتجاجا على حياة الضنك التي يعيشها! أحيانا يدرك المضربون أن اعتصامهم هذا سوف ينفض حتما بخراطيم المياه الساخنة للدفاع المدني، أو قنابلهم المسيلة للدموع أو هراواتهم الموجعة التي ستلقنهم درسا لن ينسوه، ولكنهم لا يأبهون بكل ذلك ويمضون في اعتصامهم! والسؤال هو: ما الذي يدفع هؤلاء إلى تعريض حياتهم للخطر من أجل إنجاح إضراب؟ لا بد من أن هناك ما يقض مضجعهم، لأن مشاركتهم في الإضراب تعد جريمة في بعض الدول العربية قد تفضي بهم إلى غياهب السجون.

ولعل السؤال الأهم هو: لماذا تنتظر الجهات المسؤولة الموظفين حتى يضربوا، ويملوا عليهم مطالبهم؟ فلا بد من أن تكون أعين إدارة الموارد البشرية لديها يقظة لمجريات سوق العمل، خاصة الزيادات المادية، كالمكافآت السنوية والرواتب وغيرها من امتيازات، والأمر ينطبق على القطاع الحكومي أيضا، فكلا القطاعين مطالب بمراعاة معدلات التضخم السنوية لأسعار السلع والخدمات وتقديم زيادات تتماشى مع ذلك.

أحيانا يضرب الموظفون، لأنهم يريدون الإسراع في إقرار كادرهم الوظيفي، الذي أكل عليه الدهر وشرب في أدراج المسؤولين، بسبب البيروقراطية الحكومية. فالموظفون بشر لديهم طموحات وآمال وأهداف مادية يرغبون في تحقيقها، والتأخير في منحهم هذه المزايا المادية، وسط طوفان غلاء المعيشة الذي لا يتوقف أبدا، سوف يغرقهم في بحر الديون والتعاسة. ويجب أن لا نقول لهؤلاء الموظفين: «أنتم أفضل من غيركم»؛ فأنت أيها المسؤول لا يمكن أن تحكم على مآسي الناس من برجك العاجي، فلا بد من دراسة أوضاعهم من خلال جهة استشارية خارجية محايدة تقارن الفئة المستهدف بنظيراتها في الدول الأخرى (بالقطاع الحكومي) أو الشركات المثيلة في القطاع الخاص، حتى تبني قرارك على أساس مهني سليم.

صحيح أن «بعض» الإضرابات يحدث في المؤسسات الكبيرة، ذات النقابات العمالية، غير أن هناك أنواعا أخرى من الإضرابات تحدث في منظمات متعددة، منها الصغيرة، وتؤثر على الإنتاجية. وعلى سبيل المثال، الإضراب الجزئي الذي لا يقل ضررا عن الإضرابات الكلية الشائعة، هو ما يسمى بـ«Work - to – rule»، أي إن الموظف إذا ما طفح به الكيل ويأس من تقدير مؤسسته فإنه يؤدي مهامه الوظيفية بالضبط كما يطلب منه، من دون زيادة ولا نقصان، بل إنه لا يحرص على الإبداع ولا الإتقان، ولا يقبل العمل لوقت إضافي، وتجده عند بوابة الخروج في لحظة انتهاء ساعات الدوام الرسمي. وهناك أيضا الإضراب المرضي Sickout Strike وهو ما يلجأ إليه البعض ممن لا يستطيعون الإضراب بحكم وظائفهم؛ ومنهم: رجال الشرطة والإطفاء والجيش. وهناك أيضا الإضراب عن الطعام Hunger Strike الذي ينفذه العمال المنتهكة حقوقهم والمحرومون من رواتبهم لعدة أشهر، وذلك أملا في استدرار عطف المنظمات الدولية على قضيتهم.

أما الإضراب الحضاري فهو، ما ستنفذه في نهاية الشهر الحالي، نقابة العاملين في الخطوط الجوية البريطانية التي تضم نحو 30 ألف موظف، حيث إنها أعلنت مسبقا عن موقع الإضراب وموعده، وأنه سيكون على مرحلتين، بحيث لا يشل حركة الطيران العالمي، الأمر الذي دفع «البريطانية» إلى الاتفاق مع شركات الطيران الأخرى لنقل الركاب المتضررين. والهدف الأساسي للإضراب - كما في معظم الإضرابات - هو الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الشركة لسماع مطالب الموظفين وتذمرهم من طريقة تعامل الشركة معهم.

وقد يظن البعض أن الإضرابات وغيرها من وسائل العصيان المدني هي حالات نادرة الوقوع، غير أن تقريرا حقوقيا في مصر يقول خلاف ذلك؛ إذ أظهر أنه في عام 2009 وفي مصر وحدها كان هناك أكثر من 700 احتجاج في 432 موقعا، 44% حكومي، و41% في القطاع الخاص، و16% في قطاع الأعمال العام، بحسب تقرير «مركز الأرض لحقوق الإنسان» نشرته شبكة الإعلام العربية.1

وقوع الإضراب لا يصب في صالح سمعة المنظمة التي ينتمي إليها الموظفون، وقد يسبب إضرارا جسيمة بمصالح العملاء والمراجعين. وعليه، فإن المؤسسات مطالبة بمراجعة دورية لأحوال العاملين لديها؛ المادية والمعنوية، والتأكد من مدى مسايرتها لما يجري في سوق العمل، قبل أن تقع الفأس في الرأس وربما ترضخ لكل مطالب الموظفين!

[email protected]