عودة ابنة بن لادن

TT

أخيراً عادت إيمان ابنة أسامة بن لادن لأحضان أمها، التي اصطحبتها معها إلى دمشق، بعد سنوات عصيبة في إيران، أمضتها إيمان في مجمع سكني بطهران تحت حراسة مشددة، إلى أن تمكنت من الفرار، واللجوء إلى السفارة السعودية بطهران طلباً للنجدة، حيث كتب لإيمان عمر جديد.

قصة مثيرة صحافياً، ومحزنة إنسانياً. وما دامت الفتاة قد عادت لأهلها بسلام فيحق لنا مناقشة جدوى نشر قصتها التي كشفتها صحيفة «الشرق الأوسط» في 23 ديسمبر 2009، وتناقلها الإعلام العالمي، كما حاول البعض ادعاء السبق فيها بشكل مضحك؛ فمنذ نشر قصة إيمان سمعت لوماً، وعتاباً، فالحريصون قالوا إننا أفسدنا إطلاق سراحها، بينما هاجمنا الإعلام الإيراني بحجة أننا نشوه صورة إيران، وأننا استخدمنا للضغط الإعلامي!

والحقيقة، لا هذه ولا تلك، بل سعينا بدافع مهني بحت للقيام بعملنا، رغم صعوبة التوصل للمعلومة من كل الأطراف، وحرصنا دائماً على ضمان خروج إيمان، وإخوانها بسلامة من طهران، فعندما يقال إننا صعّبنا خروجها، فهذا غير صحيح، بل على العكس تماماً، فقد وصل إلى دمشق قبلها أخوها بكر، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فقد أمضت إيمان قرابة 8 سنوات بإيران، مع بعض من إخوتها، دون علم أحد، حتى أجهزة الاستخبارات العالمية.

والسؤال: أيهما الأصعب؛ اختفاء إيمان 8 سنوات، أم التفاوض على عودتها لمدة ثلاثة أشهر تقريباً، خصوصاً أنه طوال 25 يوماً، فترة وجودها بالسفارة السعودية، كان الإيرانيون ينكرون وجودها، أو معرفتهم بها، وبعد 24 ساعة من نشرنا للقصة خرج وزير الخارجية الإيراني ليقر بوجودها!

نشر القصة جعل طهران تتصرف بحذر، وبالتالي أصبحت سلامة إيمان أمراً مضموناً حيث بات واضحاً أن العالم بأسره يراقب، وعليه فلا بد من نهاية محسوبة، وهادئة؛ فالكشف عن وجود أبناء بن لادن بإيران يعد في حد ذاته أمراً مكلفاً لطهران، دولياً، بل وعربياً.

من لحظة الاعتراف الإيراني كنا حذرين في النشر، حيث راعينا مشاعر العائلة، وعدم تعقيد الأمور، إلا أننا كنا حريصين على ألا ينسى الرأي العام قصة إيمان التي تستحق أن تروى في عمل سينمائي.

أهمية قصة إيمان أنها كشفت علاقة «القاعدة» بإيران، وأثبتت أن نصف معركة منطقتنا مع طهران هي بالإعلام؛ فالإعلام الإيراني يمارس التضليل بحقنا من باب «إذا لم تستطع إقناعهم فعليك إرباكهم»، ولذا فإن أفضل رد على التضليل الإيراني هو المواجهة بالحقائق، وليس التزام الصمت الذي لا يزيدهم إلا تمادياً. وللأسف فإن البعض منا يؤثر انتقاد الإعلام بدلا من تفهم دوره، وفوائده، وكيفية التقليل من أضراره، من خلال التواصل معه، وتزويده، أي الإعلام، بالحقائق، فمثل ما أن الصحافة المحترمة تحتاج لمصدرين، على الأقل، لاعتماد أخبارها، فإنه لضمان مصداقية الإعلام لا بد من وجود مصدر يقول الحقيقة، ويؤمن بتأثير الإعلام وفائدته.

عادت إيمان لأهلها سالمة، والقناعة أننا قمنا بعملنا على أكمل وجه، والدرس أن البعض في منطقتنا يخاف الإعلام أكثر مما يحسب حساباً للقوانين الدولية والأعراف وحق الجوار، وقصة إيمان دليل واضح على ذلك.

[email protected]