«يخسون».. دعهم يقتلونك

TT

يوجد في شمال باريس مسجد إمامه الشيخ «حسن شلغومي»، ويبدو أن ذلك الشيخ لديه فكر متنور، وأعلن في مقابلة نشرتها صحيفة «لو باريزيان» أنه يدعو إلى إصدار تشريع يمنع ارتداء «البرقع»، كما أنه يرى أن الحجاب الكامل الذي يغطي المرأة من قمة رأسها إلى أخمص قدميها «سجن للنساء»، ووسيلة للسيطرة عليهن، وهو يطلب ممن تريد أن تفعل ذلك أن تنتقل للعيش في بلد يعتبره من تقاليده.

ونتيجة لرأيه هذا انتقده مئات المتعصبين واتهموه «بالكفر» وأهدروا دمه. وهذا الذي حدث له ذكرني تماما بموقف سابق حصل لي، وذلك عندما كنت أكتب في جريدة «عكاظ»، مهاجما ومنتقدا وقتها مواقف وتصرفات المتشددين والمتعصبين من رجال الدين الذين يدّعون الاحتساب زورا وبهتانا.

ومن جهالتي في حينها أنني سلكت ذلك الاتجاه، لأنني ودون أن أدري فتحت على نفسي باباً من أبواب جهنم، لأن الاتصالات بعدها توالت على تليفوني المحمول على مدار الساعة من كل حدب وصوب، ومثلها الرسائل البريدية والإلكترونية والفاكسية، وكلها تقريبا تمتلئ بالشتائم التي لا تخطر على البال، وبعضها يهدد بقتلي وسحلي وتقطيع أوصالي، بل إن رسالة جماعية تحمل تواقيع أكثر من عشرين شخصا يقولون فيها بالحرف الواحد: «إننا نعرف منزلك جيدا، وسوف نأتيك في (ليلة ليلاء) لنزهق روحك الأمارة بالسوء والمعاصي».

ولا أكذب عليكم أنني في حينها قلقت أو داخلني شيء من الرعب، وفكرت أن أذود عن «حوضي بسلاحي»، ولكن كيف أذود عنه وأنا لا أملك أي سلاح؟! وحتى لو ملكته فليست لدي الشجاعة الكافية أن أقتل حتى ولو نملة. وأخيرا استقر رأيي على أن أبوح بمخاوفي لابن عمي، وهو محام ومستشار له سمعة «وشنة ورنة» في البلد.

وما إن عرضت عليه الوضع وقرأ رسائل التهديد والوعيد، حتى تفاجأت به ينتفض (كالعصفور الذي بلله القطر)، ويصيح بأعلى صوته قائلا: «(يخسون) دعهم يقتلونك، وإن فعلوا ذلك فوالله ثم والله أنه لن يهدأ لي بال، وسوف أطاردهم وأرفع عليهم قضية تؤدي إلى القبض عليهم وعقابهم جزاء لهم وردعا لأمثالهم»، وختم كلامه قائلا: «لا تخف و(كبّر الوسادة) ونم وأنت مرتاح، وإنني سوف أكون سندا لك سواء كنت حيا أو ميتا».

وقاطعته لا شعوريا قائلا: «(ياااااا يا حلاوة) ويا سعد حظي بهذا (السند) الذي سوف يجرجر قاتليّ بالمحاكم، لا شك أنني وقتها يا ولد عمي سوف أكون فخورا بك وبفصاحتك ومرافعاتك وأنا (متكرفس) في قبري العزيز».

وخرجت من مكتبه وأنا أردد بيني وبين نفسي المثل القائل: «جيتك يا عبد المعين تعينّي، واتاريك يا عبد المعين تنعان»!!

وفي اليوم الثاني بعد تلك الاستشارة الرائعة أخذت إجازة طوعية أو إجبارية من الكتابة ومن منزلي، و(يا روحي ما بعدك روح)، وسافرت إلى جزر (الكناري) أسهر بالليل آمنا، وأتبطّح بالصباح كالتمساح على رمال الشواطئ تحت أشعة الشمس الحنونة، تحف بي من كل حدب وصوب جحافل الجمال من كل جنس ولون، وكنت طوال الوقت أحمد الله كثيرا على العفو والعافية.

وما زلت أمامكم، بعد أن كتب الله لي عمرا جديدا، (وعمر الشقي بقي) مثلما يقولون.

والآن ها أنا ذا «أسرح وأمرح» ولا على بالي، وأدعو من أعماق قلبي العليل على كل من شتمني، وعلى كل من أراد قتلي أن يطيل الله في عمره في الدنيا الفانية، وأن يحصل في الآخرة الخالدة على أجمل «حوريّة» تزغلل عينيه.

[email protected]