شيكات بلا رصيد!

TT

اصطحبني صديق ذات يوم كشاهد على بيع عقار له، ولكن إجراءات البيع لم تكتمل لأن الشاري أراد أن يدفع القيمة بواسطة شيك مصرفي، الأمر الذي رفضه البائع جملة وتفصيلا، مصرا على أن يتسلم قيمة عقاره عدا ونقدا، ومبديا عدم قناعته بكل شيكات الدنيا، ولما كانت قيمة العقار كبيرة، فإن منظرنا، ونحن نعد ذلك الكم الكبير من الأوراق النقدية مثير لفضول المارة، ولكن ما باليد حيلة، فالشيكات قد اهتزت مكانتها منذ زمن بعيد بين المتداولين، حتى إن الكثير منّا لا يمتلكون دفاتر شيكات لإدراكنا سلفا بعدم إمكانية استخدامها.

وشهدت السعودية في العام الماضي وحده 160 ألف شيك مرتجع بقيمة 14 مليار ريال، وهذه الأرقام وغيرها من الأرقام المتراكمة عبر السنوات الماضية أفقدت الشيكات مصداقيتها، وغدت مجرد حبر على ورق لا تعني لحاملها شيئا، وترتب على ذلك الكثير من فقدان الثقة بين المتعاملين بهذه الشيكات، ولست أدري كم من الزمن نحتاج بعد الإجراءات الأخيرة التي أقرها مجلس الوزراء السعودي لمعالجة ظاهرة انتشار الشيكات المرتجعة لعدم وجود رصيد كافٍ، وهل حقا ستنخفض التجاوزات - كما توقع مدير عام الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية «سمة» - بنسبة 90% في العام الحالي مقارنة بالعام الماضي بسبب وجود المعلوماتية لعملاء البنوك ووضوح الإجراءات القضائية والنظامية؟ وإن كان ينتابني الشك في الوصول إلى نسبة الـ90 في المائة بهذه السرعة، لأن ما أفسدته العقود الماضية لا يمكن إصلاحه في عام واحد، مهما شددنا العقوبات، وأغلب الظن أن السجون ستستقبل هذا العام أعدادا كبيرة من محرري الشيكات بلا رصيد، من أولئك الذين أدمنوا النصب على خلق الله، أو الذين سيختبرون مدى مصداقيتنا، وإصرارنا على تطبيق العقوبات.

والإجراءات التي أقرها مجلس الوزراء، وتتضمن التجريم والتوقيف والتشهير بمحرري الشيكات المرتجعة من المؤكد أنها ستشكل مع الزمن قوة رادعة بقدر الصرامة والإصرار على تطبيقها، ويومها سيستعيد «الشيك» مكانه الطبيعي في تعاملاتنا اليومية، أسوة بغيرنا من المجتمعات التي للشيك فيها مصداقيته وأهميته.

وتبقى كلمة أخيرة، وهي أن أزمة الشيكات بلا رصيد هي في جوهرها أزمة أشخاص بلا رصيد أخلاقي.

[email protected]