لماذا يجب على الولايات المتحدة التحدث إلى طالبان؟

TT

في الوقت الذي تراقب فيه الولايات المتحدة ساحة القتال في أفغانستان وتأمل إضعاف حركة طالبان على نحو سريع، تقوم قوى إقليمية بتصعيد التوترات داخل وخارج هذا البلد. تريد باكستان وإيران على نحو خاص ضمان أنه بحلول الوقت الذي تكون الولايات المتحدة فيه مستعدة لإجراء محادثات مع طالبان، سيكون مستقبل المنطقة قد تشكّل في الواقع بفعل قوى محلية، مما يجعل الخيارات المتاحة أمام واشنطن محدودة. وتتفاقم الانقسامات الطائفية والعنصرية في نفس الوقت.

ولا تزال الولايات المتحدة تنظر إلى المعركة في أفغانستان على أنها مكافحة للتمرد ثنائية الجانب، وتركز على الوضع العسكري. وفي الواقع، تواجه أفغانستان حاليا تهديدات متعددة الأبعاد تشمل جميع البلدان الأساسية المجاورة لها.

وعلى الرغم من إشارات الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الانسحاب التدريجي، فإن أفغانستان وجيرانها على اقتناع بأن قوات الأميركية والقوات التابعة لحلف الناتو ستبدأ تنفيذ انسحاب كامل خلال الصيف المقبل.

وفي الفترة الأخيرة، قام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بزيارة كابل، مما يوضح أن طهران ستسعى بكامل جهدها للحصول على النفوذ بعد انسحاب القوى الغربية من البلاد. وتسعى روسيا ودول آسيا الوسطى إلى إظهار أنها تريد مناقشة المستقبل النهائي لأفغانستان. بيد أن الإشارة الأكثر خطورة لانعدم الاستقرار في شبه القارة هي التصعيد الدرامي للحرب بالوكالة بين الهند وباكستان خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وتذكرنا هذه الأحداث بتسعينات القرن الماضي، عندما ساعد تحالف شمل الهند وإيران وروسيا على تأجيج الحرب الأهلية الدموية في أفغانستان، وهو ما دعم التحالف الشمالي ضد نظام طالبان الحاكم المدعوم من قبل باكستان والمملكة العربية السعودية.

لكن اليوم المصالح أكبر بكثير، فالهند وباكستان أصبحتا قوى نووية، وتنظيم القاعدة وحلفاؤه المتطرفون في باكستان وفي المناطق الأخرى يتحركون بحرية. كما أن المكاسب التي حققها حلف الناتو في أفغانستان ضئيلة. وتؤدي الانقسامات العرقية بالفعل إلى إضعاف أفغانستان؛ ومن الممكن أن تطلق هذه الانقسامات التي تدعمها الدول المجاورة شرارة الانهيار السياسي والأمني.

وقالت الولايات المتحدة وحلف الناتو إنهم يؤيدون «إعادة دمج» المستويات الدنيا في حركة طالبان في حكومة كابل، لكن إدارة أوباما لم تتخذ قرارا بشأن الطلب الرئيسي للرئيس الأفغاني حميد كرزاي، وهو إجراء مباحثات مع قيادة حركة طالبان. وقد أعربت الدول الأعضاء في حلف الناتو، التي تزداد معارضة شعوبها للحرب في أفغانستان، عن تأييدها بالفعل لهذا التحرك.

وعارضت الهند وإيران وروسيا منذ فترة طويلة أي حوار مع طالبان من الممكن أن يعطي باكستان قدرا أكبر من النفوذ في المنطقة أو لدى واشنطن. وتنظر هذه الدول إلى الجماعات المتطرفة المتعددة في باكستان على أنها تشكل تهديدا لأمنها. وتعمل الهند على إعادة بناء التحالف الإقليمي الذي عارض طالبان وباكستان في تسعينات القرن الماضي. كما زار رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين الهند يوم الخميس الماضي، وكان أحد أهداف هذه الزيارة هو مناقشة استراتيجية مشتركة بشأن أفغانستان فيما بعد الانسحاب الأميركي. وقد التقى مسؤولون بارزون من الهند بالرئيس كرزاي في كابل، ومن المقرر أن يزوروا إيران في وقت لاحق من الشهر الجاري.

وعلى الرغم من ذلك، يسعى الجيش الباكستاني بوضوح إلى أن يكون له دور في تشكيل أفغانستان. وكانت إسلام آباد قد منحت قيادة حركة طالبان ملاذا منذ عام 2001، لكن في الأسابيع الأخيرة، ألقى الجيش القبض على عدد من قادة طالبان البارزين الذين تعاونوا مع الجنرالات وخدمة الاستخبارات وكانوا يستخدمون المملكة العربية السعودية كوسيط لإجراء محادثات مع كابل. ومع ذلك لا يزال المتشددون في طالبان يتمتعون بالحرية، ومن الممكن أن يروجوا للاحتياجات الأمنية لباكستان في أي محادثات مستقبلية مع كابل.

وفي زيارة إلى إسلام آباد خلال الأسبوع الماضي، أقر كرزاي بأن باكستان لديها مخاوف أمنية مشروعة في أفغانستان، لكنه طالب أيضا بتسليم أعضاء طالبان المقبوض عليهم إلى أفغانستان. وبصورة شخصية، غضب مسؤولون بارزون من أفغانستان، وادعوا أن باكستان «تقوض» جهودهم الرامية إلى إجراء محادثات مع طالبان.

ويحاول كرزاي إقناع واشنطن بدعم المحادثات مع قادة طالبان من خلاله بدلا من الباكستانيين. وقد أشار بعض قادة طالبان إلى محاورين غربيين وعرب، وأن محادثاتهم مع كرزاي تعتبر بمثابة نقطة انطلاق تجاه إجراء محادثات مع القوة الحقيقية، وهي الولايات المتحدة. وفي مقابلات معي، ناقش مسؤولون بالإدارة الأميركية ما إذا كانوا سيتحدثون إلى طالبان أم لا، لكن لم يُتخذ بعد القرار النهائي في هذا الشأن نظرا للانقسامات الداخلية. وعلى الجانب الآخر، تتصاعد التهديدات وأعمال العنف الخفية بين الهند وباكستان. فبعد يوم واحد من فشل المحادثات التي عقدت بين الطرفين في الخامس والعشرين من شهر فبراير (شباط) الماضي في إحراز أي تقدم، لقي سبعة مدنيين من الهند وضابطان في الجيش برتبة ميجور مصرعهم في هجوم إرهابي على فنادق في كابل. وعلى الفور حمل مسؤولون أفغان جماعات تتخذ من باكستان مقرا لها المسؤولية عن الهجوم. وفي أوائل شهر مارس (آذار) الحالي، لقي أربعة عمال باكستانيين مصرعهم في قندهار. وصرح مسؤولون بالشرطة الباكستانية أن الهند تقف وراء هذه الوفيات وتسعة تفجيرات هزت لاهور في 12 مارس وقتلت ما يقرب من 60 شخصا، على الرغم من أن حركة طالبان باكستان أعلنت مسؤوليتها عن هذه الهجمات.

وفي حال وقوع حادث إرهابي في باكستان أو الهند على شاكلة الهجمات التي وقعت في مومباي بالهند عام 2008، فإن ذلك سيضع الدولتين بشكل شبه مؤكد على قدم الاستعداد للحرب. وستنتهي الحملة العسكرية الباكستانية، التي طال انتظارها، ضد مقاتلي طالبان المتطرفين في المناطق القبلية، والتي بدأت تؤتي ثمارها في الفترة الأخيرة فقط.

يجب أن تبدأ إدارة أوباما جهودا دبلوماسية كبرى من شأنها التخفيف من حدة التوترات الإقليمية. وتحتاج الولايات المتحدة من جميع الدول المجاورة لأفغانستان أن توافق على موقف مشترك بشأن عدم التدخل.

وكلما تأخرت الولايات المتحدة وحلف الناتو بشأن اتخاذ القرار حول إجراء محادثات مع طالبان، زاد الاضطراب داخل أفغانستان وحولها. وستزداد كذلك مخاطر وقوع صراع أكبر، وهي الفرصة التي سيدفع تنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة الأخرى بقوة تجاه وقوعها.

* صحافي باكستاني ومؤلف كتابي «طالبان» و«السقوط في الفوضى: الولايات المتحدة وفشل بناء الدولة في باكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى»

* خدمة «واشنطن بوست»